للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤٤ - (٢٧) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ بْنِ أَبِى النَّضْرِ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ ابْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ الأَشْجْعِىُّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبى هُرَيْرَةَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى مَسِيرٍ. قَالَ: فَنَفِدَتْ أَزْوادُ

ــ

وهذه التأويلات كلها إذا حملت الأحاديث على ظاهرها، وأما إذا نُزِلت تنزيلها لم يُشكل تأويلها على ما بيَّنه المحققون.

فنُقرّر أولاً أن مذهب " أهل السنة " بأجمعهم من " السلف الصالح " و " أهل الحديث " و" الفقهاء " و " المتكلمين " على مذهبهم من " الأشعريين ": أن أهل الذنوب فى مشيئة الله تعالى، وأن كل من مات على الإيمان وشهد مخلصاً من قلبه بالشهادتين فإنه يدخل الجنة، فإن كان تائباً أو سليماً من المعاصى والتبعات دخل الجنة برحمة ربه، وحُرّم على النار بالجملة، فإن حملنا اللفظين الواردين على هذا فيمن هذه صفته كان بيناً، وهو التفات الحسن والبخارى فى تأويلهما، وإن كان هذا من المخلطين بتضييع ما أوجب الله عليه، أو فعل ما حرم عليه، فهو فى المشيئة لا يقطع فى أمره بتحريمه على النار ولا باستحقاقه لأول حاله الجنة، بل يقطع أنه لابد له من دخول الجنة آخرًا، ولكن حاله له قبلُ في خطر المشيئة وبرزخ (١) الرجاء والخوف، إن شاء ربُه عذَّبه بذنبه أو غفر له بفضله، وإلى هذا التفت من قُدّم قوله من السلف، لكن قد يصح استقلال ألفاظ هذه الأحاديث بأنفسها على هذا التنزيل، فيكون المراد باستحقاق الجنة ما قدَّمناه من إجماع أهل السنة من أنه لابد له من دخول كل مُوَحّد لها إما مُعَجَّلاً مُعافى، أو مؤخراً بعد عقابه، والمراد بتحريم النار تحريم الخلود، خلافاً للخوارج والمعتزلة فى الوجهين (٢) وينزلُ حديث: " من كان آخر كلامه لا إله إلا الله " خصوصاً لمن كان هذا آخر نطقه وخاتمة لفظه وإن كان قبل مخلّطاً، فيكون سبباً لرحمة الله له ونجاته رأساً من النار [وتحريمه عليها] (٣)، بخلاف من لمن يكن ذلك آخر كلامه من الموحدين المخلطين، وكذلك ما ورد في حديث عبادة من مثل هذا ودخوله من أى أبواب الجنة شاء، خصوصاً لمن قال ما ذكره -عليه السلام- وقرن بالشهادتين من حقيقة الإيمان والتوحيد الذى ورد فى حديثه، فيكون له من الأجر ما يرجح بسيئاته ومعاصيه، ويوجب له المغفرة والرحمة ودخول الجنة لأول وهلة إن شاء الله تعالى، كما أشار إليه فى الحديث، والله أعلم بمراد نبيّه.

وذكر (٤) مسلم حديث طلحة بن مُصرّف عن أبى هريرة: كنا مع النبى- عليه السلام- وهذا الحديث مما استدركه الدارقطنى على مسلم فقال: خالفه أبو أسامة فأرسلوه


(١) فى الأصل: وبرزج والصحيح المثبت من ت.
(٢) حيث يكفر الخوارج بالمعصية، ولقول المعتزلة بمنع العفو. راجع: إكمال ١/ ١١٣.
(٣) سقط من الأصل، والمثبت من ت.
(٤) فى ت: ذكر بدون الواو.

<<  <  ج: ص:  >  >>