للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لولاية الديانة أو الحكم إنما يكون عند عدم ذلك، فمشهور مذهب مالك اشتراط ولاية القرابة، ومراعاة الأقعد فالأقعد، وهو قول الشافعى والليث بن سعد. وقال أحمد وإسحاق وأبو ثور فى اشتراط ولى النسب نحوه، إلا أن أبا ثور قال: كل من يقع عليه اسم ولى فله أن ينكح، ولم يجعل للقعود حقًا. وقاله بعض أصحابنا، وحجتهم: قول عمر: " لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذى الرأى من أهلها أو السلطان " فحملوه على التسوية، وحمله الآخرون على الترتيب، قالوا كلهم: ويفسخ إذا وقع بغير ولى خاصٍ، وليس للولى الخاص إجازته.

وحكى البغداديون عن مالكٍ قولاً آخر: أن ولاية الديانة ولاية فى كل أحد يمضى عقدها، وليس للولى الخاص فسخه، وقاله أبو حنيفة ومن وافقه ممن يستحب الولى، ولا يوجبه إلا أن تضع المرأة نفسها فى غير كفءٍ، فللولى فسخه عندهم للمعرة.

وعلى هذا الخلاف يأتى توقف مالكٍ فى فسخه وإجازته فى المدونة على اختلاف لفظه والتأويل عليه، وعليه يأتى اختلاف أصحابه فى منع الولى من إجازته أو إباحة ذلك له، ومراعاة طول الدخول والإقامة عند بعضهم أو قربها. وهل الولاية من حقوق الله؟ فلا يلتفت إلى إمضاء الولى، أو من حقوق الولى؟ فيلتفت إلى ذلك، ولكثرة الاختلاف فى ذلك ومراعاته إذا نزل.

وكذلك اختلف المذهب عندنا فى إنكاح الأبعد، مع وجود الأقعد مراعاة للخلاف، وهل تقديمه لقعدده (١) من حقوق الله فيفسخ على كل حالٍ، وهو قول المغيرة، أو من حقوق الولى فيكون له الخيار فى إمضائه أو رده، وبه قال جماعة منهم، أو من باب الأولى والأكمل فلا يكون له اعتراض فيه إذا وقع، وهو قول مالكٍ وقول الصحابة.

وهذا كله فيمن عدا الأب فى ابنته البكر، والسيد في أمته، فلا خلاف فى أن لهما فسخ ما عقد بغير إذنهما واختلف هل لهما إجازته؟ فعندنا فى ذلك قولان، وعن مالك قول ثالث مشهور فى التفريق بين الشريفة والدنية (٢) فأمضى ولاية الديانة فى الدنية وعند الضرورة فيها، ولم يمضها فى الشريفة وذات القدر، فلم يحك عن غيره مثله.

واختلف مذهبنا من هم الأولياء الذين إليهم الإنكاح؟ أهم البطن أم الفخذ أم العشيرة أم العصبة؟ واختلف هل الولد من الأولياء الخاصة إذا لم يكن من عصبتها أم لا؟ فعندنا أنه ولى بكل حال.


(١) القعدد: المراد به أقرب الأولياه وأقعدهم بها. راجع الاستذكار ١٦/ ٣٨.
(٢) قال ابن عبد البر: ولا أعلم أحداً فرق بين الشريفة ذات الحسب والمال، ولا الدنيَّة التى لا حسب لها ولا مال إلا مالكاً فى رواية ابن القاسم وغيره عنه. السابق ١٦/ ٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>