وقوله فى الرواية الأخرى:" عرساً كان أو غيره "، [وفى الأخرى:" آتوا الدعوة "] (١) وفى الأخرى: " إذا دعى أحدكم لكراع فليجب "، وفى الأخرى:" لطعام "، وفى الأخرى:" لعرسٍ "، وفى الأخرى:" ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله ": وإنما تقدم الكلام عليه هنا لاتصاله بالمسألة، فلم يختلف العلماء فى وجوب الإجابة فى وليمة العرس، واختلفوا فيما عداها، فمالك وجمهورهم: على أنه لا تجب، وذهب أهل الظاهر إلى وجوبه فى كل دعوة، عرساً كان أو غيره، بظاهر الألفاظ الأخر التى ذكرناها.
وقال الشافعى: ذلك واجب فى الوليمة، ولا أرخص فى ترك غيرها من الدعوات التى لا يقع عليها اسم وليمة كالختان والإملاك والنفاس، وحادث سرورٍ، ولا يبين إلىّ أن تاركها عاصٍ كتارك الوليمة، ولمالك فى المدونة أن هذا فى طعام العرس، وليس فى الإملاك، وهذا على مالهُ فى كتاب محمد أنها بعد البناء، وهو الذى يسمى عنده وليمةً وعرساً.
وفى مسلم عن عبيد الله - هو العمرى - نحوه قال: إنه كان ينزّلهُ على العرس؛ أى يتأوله فيه ويجعله مراد الحديث، فكذلك اختلف السلف فى إجابة ماعدا الوليمة، وحمل من خص ذلك بالعرس أن غيرها على الندب، والأوامر فى ذلك على التخصيص لا على الإيجاب، وخص الوليمة بالإيجاب نصه فيها على العصيان، وأن الوليمةَ اسم يختص لطعام العُرس والإملاك على ما تقدم. وكره مالك لأهل الفضل الإجابة للطعام يدعون إليه، وتأوله بعض أصحابنا على غير الوليمة، وتأوله بعضهم على غير طعام أسباب السرور المتقدمة مما يُصنع تفضلاً.
واختلف فى وجوب الأكل للمفطر فيها، فلأهل الظاهر فيها قولان، وقد خرجهم الباجى على مذهبنا من قول مالك وأصحابه. وقال الشافعى: إذا كان مفطراً أكل، وإن كان صائماً صلى، أى دعى، على ما جاء فى الحديث. قال مالك: يجيب وإن لم يأكل وإن كان صائماً، وعن إصبغ تخفيف ذلك، فرأى أن الإجابة إنما تتعين، فظاهرُه وجوب الأكل عندهم.
وكذلك اختلف قول أهل الظاهر فى وجوب الأكل فى كل دعوة بناء على وجوب الإجابة فيها على قولهم، واختلف السلف ومن بعدهم إذا كان فيها لعبٌ مباحٌ أو منكر، والاكثر فى المنكر ألا تحضر معه، وأبو حنيفة وبعضهم يجيزه، وعندنا فيه قولٌ شاذ والأكثر فى المباح الحضور إلا لأهل الفضل والهيئات، وفى مذهبنا فى هذا قولان.