وحكم القافة لا يكون إلا عند عدم ما هو أقوى منه من الأدلة، فأما مع وجوده فلا اعتبار له كما يحكم به فى مسألة المتلاعنين. وقد جاء على الشبه المكروه.
ولحكمه بالفراش هنا قيل: وفيه القضاء فى المسألة بحكمين إلحاق الولد بالفراش ثم الحكم بالحجاب للشبه، وهذا - والله أعلم - هنا على الاستحباب وخاصة فى حق سودة لعظم حقوق أزواج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وزيادتهن على غيرهن فى وجوب الحجاب عليهن وتغليظه فيهن؛ إذ لا يحرم وطء الزنا شيئاً ولا يوجب حكماً ولا يقع به حرمة على صحيح مذهب مالك وقول الشافعى وأبى ثور.
وذهب أهل الرأى والثورى والأوزاعى وأحمد إلى تحريمه بذلك وأنه مجرى الوطء الحلال فى التحريم منه، واحتجوا بهذا الحديث، وأمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لسودة بالاحتجاب منه، وهو أحد قولى مالك. وحملوا أمره هنا على الوجوب، والأول حملوه على الاستحباب والاستظهار كما تقدم، إلا ما ذهب إليه جمهورهم من نكاح الإبنة من الزنا. وعبد الملك ابن الماجشون يجيز ذلك طرداً للأصل وإبطالاً لحكم الحرام.
وقال المزنى: يحتمل أن يكون النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجابهم عن المسألة وأعلمهم بالحكم أنه كذلك يكون، إذا ادعى صاحب الفراش الولد وصاحب الزنا، لا على أنه يلزم عتبة دعوى أخيه سعد، ولا يلزم سعد دعوى ابنه عبْد، وبين ذلك بقوله:" احتجبى منه ".
وإلى هذا ذهب الباجى وقال: هذا أصح الأقوال، وذهب أن قوله:" هو لك يا عبد ": أى [عبد](١) لما لم يثبت نسبه، وإنما أقر له عبد بالأخوة، فبقى ملكاً له؛ لأنه ابن مملوكة أبيه، فلم يكن بذلك أخاً لسودة، ولا يثبت بينهما بذلك توارث ولا حكم إذ لم يثبت اعتراف زمعة به، قال: ولو كان استلحقه بزمعة لما نهى عنه سودة ولا أمرها بقطع رحمه، وقد خصهن على مداخلة الأخ والعم من الرضاعة وأمر عائشة أن يلج عليها عمها، وقول عائشة فى العلة، لما رأى من شبهه بعتبة تأويل منها، إذ قد يكون على تأكيد المنع، فهذا كله يكون أمره بالاحتجاب عند هؤلاء واجباً لا احتياطاً.
قيل: وفى هذا الحديث أن القضاء بالظاهر لا يحل الأمر في الباطن، كما جاء فى الحديث الآخر المشهور؛ لأنه هنا حكم بالولد لزمعة وأمر أخته بالاحتجاب منه للشبه،