للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ: " هُوَ لَكَ يَا عبْدُ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، وَاحْتَجِبِى مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتَ زَمْعَةَ ". قَالَتْ: فَلَمْ يَرَ سَوْدَةَ قَطُّ. وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ قَوْلَهُ: " يَا عَبْدُ ".

(...) حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْن حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرُ، كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. غَيْرَ أَنَّ مَعْمَرًا وَابْنَ عُيَيْنَةَ، فِى حَدِيثِهِمَا: " الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ " وَلَمْ يَذْكُرَا: " وَلَلْعَاهِرِ الْحَجَرُ ".

ــ

وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وللعاهر الحجر ": العاهر: الزانى، وقيل: معناه: أن الحجر يرجم به الزانى المحصن، وقيل: معناه: الزانى له الخيبة ولا حظ له فى الولد؛ لأن العرب تجعل هذا مثلاً فى الخيبة، كما يقال: له التراب إذا [أرادوا] (١) الخيبة. والعهر: الزنا، ومنه الحديث: " اللهم أبدله بالعهر العفة " (٢) وقد عهر الرجل إلى المرأة يعهر: إذا أتاها للفجور، وقد عهرت وهى تعيهرت: إذا زنت.

قال الإمام: قد أشبعنا الكلام على هذا الحديث، ولم يجمع فيه أحد من المصنفين فيما علمت هذا الفصول كما جمعناه هاهنا، والله الموفق.

قال القاضى: كانت سنة الجاهلية إلحاق النسب بالزنا، وكن يساعين الإماء ويستأجرونهن لذلك، فمن اعترفت الأم أنه ابنه لحق به، فجاءت سنة الإسلام بإبطال ذلك وإلحاق الأنساب بالعقود الصحيحة والأفرشة الثابتة، لا بطريق الزنا. فلما تخاصم سعد وعبد، وقام سعد بما عهد به إليه أخوه عتبة من سيرة الجاهلية إذ مات مشركاً، ولعل إلحاقه به مدة الجاهلية لم يكن قبل، إما لأن الأم لم تعترف له به، أو لأن الدعوى فيه لم تكن إلا بعد الإسلام، أو لأن إلحاقه مع منازعة المالك فيه كان عندهم لا يصح، وإلا فلو صح استلحاقه له قبل ولم ينازع فيه لمضى النسب له على الأصل فى إلحاق أنسابهم وما لاطوه بأنفسهم.

وقد قال ابن كنانة وابن القاسم من أصحابنا: إن دعوى الجاهلية والمتحمل بعد إسلامه ولداً من الزنا يلحق به، وما لم يكن ثمّ دعوى أقوى من فراش زوج أو سيد. واحتج عبد لحكم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشريعته من قوله: " أخى ولد على فراش أبى "، فحكم له النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمقتضى شريعته، وأبطل سنة الجاهلية.

وفى قوله: " الولد للفراش، مع قوله: رأى " شبهاً بينًا ": دليل على أن الشبه


(١) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش.
(٢) انظر: النهاية فى غريب الحديث ٣/ ٣٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>