للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَفَعْتُمْ نَعْشَهَا فَلا تُزَعْزِعُوا، وَلا تُزَلْزِلُوا، وَارْفُقُوا، فَإِنَّهُ كَانَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعٌ، فَكَانَ يَقْسِمُ لثمَانٍ وَلا يَقْسِمُ لِوَاحِدَةٍ.

قَالَ عَطَاءٌ: الَّتِى لا يَقْسِمُ لَهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَىِّ بْنِ أَخْطَبَ.

ــ

وهبت نفسها للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقيل: هى أم شريك، وقيل: زينب بنت خزيمة.

وقوله: " وكان عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسع، فكان يقسم لثمان، ولا يقسم لواحدة ": هذا مما خص به النبى - عليه السلام - أيضاً. قال الشافعى: إن الله تعالى لما خص به رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من وحيه، وأبان بينه وبين خلقه بما فرض عليهم من طاعته، افترض عليه أشياء، خففها على خلقه، ليزيد بها قربة إليه، وأباح له أشياء حظرها على خلقه، زيادة فى كرامته، وتبييناً لفضيلته، فمن ذلك؛ أن كل من ملك زوجة فليس يخيّرها، وأمره الله أن يخير نساءه فاخترنه، وقال: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْد} (١). قالت عائشة: ما مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أحل الله له النساء التى حظرت عليه، وقال تعالى: {وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِي} الآية (٢)، وقال: {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء} الآية (٣)، فأبانهن من النساء، وخصه بأن جعله أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأزواجه أمهاتهم.

وقال الخطابى كلاماً معناه: أن الله - عز وجل، اختار لنبيه - عليه السلام - من الأمور أفضلها، وجمع له الفضائل التى يزداد بها فى نفوس العرب جلالة وفخامة، وكانت العرب تفاخر بقوة النكاح، وكان - عليه السلام - من قوة البنية، واعتدال المزاج، على ما شهدت له الأخبار، ومن هو بهذه الصفة من كمال الخلقة، كان دواعى هذا أغلب عليه، وكان ما عداها منسوباً إلى نقص الجبلة، وضعف النجيزة، فأبيح له الزيادة على أربع، ومنع غيره من أمته ذلك، لغلبة الخوف ألا يعدلوا فيهن، ولا يقوموا بحقوقهن، وأمن ذلك منه - عليه السلام - ويدل على هذا قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} الآية إلى قوله: {فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم} (٤) فعلق الحكم بالعلة المقرونة بالذكر، وهى من خوف ألا يعدلوا، وكانت العلة مرتفعة فى حقه - عليه السلام.

قال: ويبين ذلك إباحته من الإماء كان بغير حد ولا عدد، بقوله: {فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم} إذ لم يكن للإماء من الحق ما للحرائر من التسوية والتعديل.

قال: وأيضاً فإن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يجوز عليه مواقعة ما لا يحل من الاستمتاع ولا تطلّع


(١) الأحزاب: ٥٢.
(٢) الأحزاب: ٥٠.
(٣) الأحزاب: ٣٢.
(٤) النساء: ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>