للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وحكى عنه مثل قول الكوفيين وقال أشهب من أصحابنا: إن قال: أنا أفئ، أمهل حتى تنقضى عدتها، فإن لم يف بانت منه.

ثم اختلف القائلون بوقوع الطلاق بالقضاء الأربعة الأشهر، هل هو بائن أو رجعى؟ وأما الآخرون فلا خلاف بينهم أنها رجعية، إلا أن مالكاً يقول: لا يصح فيها الرجعة حتى يطأ الزوج فى العدة، ولم يحفظ هذا الشرط لأحد سواه.

وكذلك اختلفوا إذا وقع الطلاق وقد حاضت ثلاثاً فى الأربعة الأشهر، هل تحتاج إلى استئناف عدة؟ وهو قول الكافة، أم لا تحتاج إليها وتلك تُغنيها وتتزوج مكانها؟ وهو قول جابر ببن زيد، وقال به الشافعى فى القديم.

وكذلك اختلفوا: هل يكون غير قاصد الضرر والحالف فى الرضا وعلى غير الغضب، مولياً أو لا؟ فكافتهم على أنه يكون مولياً بكل وجه. وذهب مالك والأوزاعى إلى أنه لا يكون مولياً، إذا حلف لمصلحة ولده حتى تفطمه، وهو قياس قولهم فى شبه هذا، مما لم يقصد به الضرر، وبه قال أبو عبيد، وعن على وابن عباس قالا: إنما يكون مولياً، إذا حلف على وجه الغضب، وأمّا على وجه الرضا فلا يكون مولياً.

وقوله تعالى فى الآية: {فَإِن فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيم} (١) يشعر بأن الإيلاء إنما له هذا الحكم، إذا قصد به الإضرار؛ إذ عنه يكون الغفران والرحمة، وقيل: غفور فى اجترامهم بالحلف على ذلك وتحنيث أنفسهم بالفىء رحيم بهم، وقيل: غفور فيما زاد على الأربعة الأشهر؛ إذ قد أباح له التربص فيها فما زاد فهو محظور. وفيه حجة لمشهور قول مالك والكافة. وقوله: " فجلست فأدنى عليه إزاره ": فيه أن مجالسة الرجل لغيره وإن كان ممن يختص به، بخلاف جلوسه وحده من التحفظ والتستر، لما تدعو إليه الضرورة من كشف جسده؛ لأن ذلك من المروءة والسمت.

وفى بداية النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعائشة: فضيلتها على غيرها وأثرتها عنده، وكذلك بدايته بالدخول عند تمام الشهر عندها، يحتمل أنها كانت نوبتها بعد التى خرج عنها قبل يمينه، ويحتمل أنه ابتدأ القسم الآن فبدأ بها، ويحتمل أنه بدأ بالدخول عندها ثم دخل إلى سائر نسائه فسوّى بينهن واستمر بعدُ قسمه على ما أراد من ذلك.

وقوله فى الحديث من رواية ابن أبى شيبة: " اللتين تظاهرتا على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": توقيراً لهما، وبِرًا أن يقول فى هذا الحديث: تظاهرتا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فكنى بعهده واكتفى به عن غيره، وقد جاء فى الحديث الآخر مبيناً على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما قال: {وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْه} (٢).


(١) البقرة: ٢٢٦.
(٢) التحريم: ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>