للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَدَّثَنَا سُفيَانُ بْنُ عُيينة، عَنِ الزُّهْرِىّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ سَمِعَ النَبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً يَعِظُ أَخَاهُ فِى الْحَيَاءِ، فَقَالَ: " الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ ".

(...) حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىّ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: مَرَّ بِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ يَعِظُ أَخَاهُ.

ــ

خصلة، وقد تقدم أن أصل الإيمان فى اللغة: التصديق وفى عرف الشرع: تصديق القلب واللسان، وظواهر الشرع تطلقه على الأعمال كما وقع هنا: " أفضلها شهادة أن لا إله إلا الله وآخرها إماطة الأذى عن الطريق "، وقدمنا أن تمام الإيمان بالأعمال وكماله بالطاعات، وإن التزام الطاعات وضم هذه الشُعَب من جملة التصديق ودلائل عليه، وأنها خلق أهل التصديق، فليست خارجة عن اسم الإيمان الشرعى ولا اللغوى، وقد نبه - عليه السلام - على أفضلها بالتوحيد المُتَعَيّن على كل مسلم، والذى لا يصح شىء من هذه الشعب إلا بعد صحته، وأدناها ما يتوقع ضرره بالمسلمين من إماطة الأذى عن طريقهم وإن لم يقع الأذى بعد، وبقى بين هذين الطرفين من أعداد أبواب الإيمان ما لو تُكُلف حصرها بطريق الاجتهاد وتعينها بغلبة الظن إلى حصر عدته (١) [لأمكن] (٢)، وقد أشار إلى نحو هذا بعد من تقدم، وعليه بنى الفقيه إسحاق بن إبراهيم القرطبى كتابه المسمى بالنصائح، ولكن القطع أن تعيين ما نَقَّحه الاجتهاد وترتيبه على تلك الأبواب هو مراد النبى - عليه السلام - يصعب، ولن يعدم من يرتب ترتيباً آخر، ويداخل بعض الأبواب فى بعض، ويفصل بعض الأقسام من بعض، والله - عز وجل - أعلم، ولكنه قد جاء فى الأحاديث النص على [بعض] (٣) تلك الشعب كما سيأتى، ووقع فى الأم فى حديث زهير الشك فى سبعين أو ستين، وكذلك وقع، فى البخارى من رواية أبى زيد المروزى أول الكتاب: " ستون " (٤). والصواب ما وقع فى سائر الأحاديث ولسائر الرواة: [سبعون] (٥)، ولا يلزم معرفة تعيينها، ولا يقدح جهل ذلك فى الإيمان، إذ أصول الإيمان وفروعه معلومة محققة، والإيمان بأنها هذا العدد من الحديث وأجب على الجملة وتفصيل تلك الأصول وتعينها على هذا العدد يحتاج إلى توقيف.

وقوله: " والحياء شعبة من الإيمان "، قال الإمام: إنما كان الحياء وهو فى الأكثر غريزةٌ من الإيمان الذى هو اكتسابٌ " لأن الحياء يمنع من المعصية كما يمنع الإيمان منها، والحياء هاهنا ممدود من الاستحياء.


(١) بعدها فى الأصول: عليه السلام. أغلب الظن عندى أنها عبارة مقحمة.
(٢) و (٣) سقطتا من ق.
(٤) البخارى فى الصحيح، ك الإيمان، ب أمور الإيمان ١/ ٩، وكذلك أخرجه النسائى فى المجتبى، ك الإيمان وشرائعه، ب ذكر شعب الإيمان ٨/ ٩٦.
(٥) جاءت العبارة فيما نقله الإمام النووى بالمطبوعة: " وستون " وهو وَهْم. نووى على مسلم ١/ ٢٠٨ ط. الشعب.

<<  <  ج: ص:  >  >>