للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سُئِلتُ عَنِ المُتَلاعِنَيْنِ فِى إمْرَةِ مُصْعَبٍ، أَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: فَمَا دَرَيْتُ مَا أَقُولُ: فَمَضَيْتُ إِلى مَنْزِلِ ابْنِ عُمَرَ بِمَكَّةَ. فَقُلْتُ لِلغُلامِ: اسْتَأذِنْ لِى. قَالَ: إِنَّهُ قَائِلٌ. فَسَمِعَ صَوْتِى. قَالَ: ابْنُ جُبَيْرٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: ادْخُلْ. فَوَ اللهِ، مَا جَاءَ بِكَ، هَذِهِ السَّاعَةَ إِلا حَاجَةٌ. فَدَخَلْتُ، فَإِذَا هُوَ مُفْتَرِشٌ بَرْذَعَةً، مُتَوَسِّدٌ وِسَادَةً حَشْوُهَا لِيفٌ. قُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، المُتَلاعِنَانِ، أَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! نَعَمْ. إِنَّ أَوَّلَ مَنْ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فُلانُ بْنُ فُلانٍ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ أَنْ لَوْ وَجَدَ أَحَدُنَا امْرَأَتَهُ عَلى فَاحِشَةٍ، كَيْفَ يَصْنَعُ؟ إِنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلى مِثْلِ ذَلِكَ. قَالَ: فَسَكَتَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلمْ يُجِبْهُ. فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّ الَّذِى سَأَلْتُكَ عَنْهُ قَدِ ابْتُلِيتُ بِهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - هَؤُلاءِ الآيَاتِ فِى سُورَةِ النُّورِ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} (١) فَتَلاهُنَّ عَليْهِ وَوَعَظَهُ وَذَكَّرَهُ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ

ــ

وقوله: " كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها ثلاثاً، قبل أن يأمرَه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال الإمام: احتج بهذا [الشاهد] (٢) على جواز الطلاق ثلاث فى كلمة واحدة، وانفصل أصحابنا عن هذا بأنها قد بانت منه باللعان، فوقعت الثلاث على غير زوجة، فلم يكن لها تأثير. قالوا: لأنه خرج النسائى عن محمود بن لبيد قال: أخبر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعاً، فقام صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غضبان فقال: " أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم حىّ " وقام رجل آخر فقال: يا رسول الله، ألا أقتله (٣).

فالأخذ بالمنع بهذا الحديث أولى من حديث المتلاعنين، مع الاحتمال الذى فيه.

وقد اختلف الناس - أيضاً - فى المتلاعنين، هل تقع الفرقة بنفس اللعان، أو حتى يقضى القاضى بالفراق، فقال أبو حنيفة: حتى يقضى القاضى بالفراق، لقوله: " فرق بينهما "، وهذا إشارة للحكم. وعندنا: أنه لا يفتقر إلى حاكم، لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى طريق آخر: " أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها ولقوله: فَفَارَقها عند النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ذاكم التفريق بين كل متلاعنين "، ولم يعتبر قضية القاضى.

وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا سبيل لك عليها ": حمله جمهور العلماء على العموم، فلا تحل له أبداً، قال بعض أصحابنا: ومن جهة المعنى كأنه أدخل لبساً فى النسب فعوقب


(١) النور: ٦ - ٩.
(٢) غير واضحة فى الأصل، ويرجح أنها كما أثبت.
(٣) النسائى، ك الطلاق، ب الثلاث المجموعة وما فيه من التغليظ ٦/ ١٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>