إِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَليْهَا فَهُوَ بِمَا اسْتَحْللتَ مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَليْهَا فَذَاكَ أَبْعَدُ لَكَ مِنْهَا".
ــ
فعند الجمهور: يُحَدُّ وتُحَدُّ، وعند أبى حنيفة: يحبسان أبداً حتى يلتعنا.
وقول ابن شهاب: " فكانت بعدُ سنة المتلاعنين ": فيه تأويلان:
أحدهما: الفرقة بانقضاء اللعان.
والثانى: استحباب إظهار الطلاق بعد اللعان عليها. ذهب إليه ابن نافع وعيسى بن دينار من أصحابنا فى هذا الحديث واستحباه، فإن لم يفعل فهو فراق.
وفى قوله: " كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها " أيضاً تأويلان: أنه أراد الدعاء بذلك بفضيحة نفسه إن أمسكها. والثانى: إن إمساكى لها بعد ما قلته عنها دليل على كذبى.
قال محمد بن أبى صفرة: اللعان لا يقطع العصمة؛ لقول عويمر: " كذبت عليها إن أمسكتها "، فأحدث طلاقاً يقطع العصمة، ونزه نفسه عن أن يقوم عليه دليل كذب بإمساكها، فجعل النبى - عليه السلام - فعله سنة. وتأوله بعض شيوخنا أنه كقول أبى حنيفة، وليس كذلك، بل هو عندى نحو ما تقدم لابن نافع.
وقوله: " قبل أن يأمره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": يقتضى أن الفرقة تقع بغير حكم، وهو قول كافة العلماء كما تقدم.
وقوله: ففارقها، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ذاكم التفريق بين كل متلاعنين ": ومعناه عندنا تبيينه - عليه السلام - الحكم لا إيقاع الفراق، بدليل قوله: " قبل أن يأمره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك "، ولقوله: " فكانت تلك سنة المتلاعنين "، وقيل: إشارة إلى تأبيد التحريم، وهو قول كافة العلماء. وقد جاء فى حديث ابن شهاب من رواية ابن وهب: فمضت سنة المتلاعنين أن يفرق بينهما ولا يجتمعا. وشذ بعضهم فقال: هو ثلاث.
قال ابن لبابة: إن لم يطلق هو [ثلاثاً] (١)، طلق عليه الإمام. ولم يمنعه من مراجعتها بعَد زوجٍ، وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن وعبيد الله بن الحسن: هى واحدة بائنة وتقدم قول البتى: أنه لا فرقة به، وحكاه الطبرى عن جابر بن زيد: فإن أكذب نفسه بعد اللعان والفراق، جُلد الحدّ، ولم ترجع إليه أبداً عند مالك وأهل الحجاز وفقهاء الأمصار، وخالفه أبو حنيفة فقال: يكون خاطباً من الخطاب وتحل له، وقال عبد العزيز نحوه، وروى عن الشعبى: أنها ترد إليه.
ولم يختلف فقهاء الأمصار بأن مجرد قذف الرجل لزوجِه لا يحرّمها عليه، إلا
(١) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم.