للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلاؤُكٍ لِى، فَعَلْتُ. فَذَكَرَتْ ذَلِكَ بَرِيرة لأَهْلِهَا، فَأَبَوْا، وَقَالُوا: إِنْ شَاءَتْ أَنْ تَحْتَسِبَ

ــ

وفى بيع العبد القن بشرط العتق من مشتريه اختلاف بين الناس، أجازه مالك والشافعى، ومنعه أبو حنيفة، ولكنه قال: إن وقع البيع مضى بالثمن، وخالفه صاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن، فقالا: يمضى بالقيمة. فإذا تقرر هذا كله قلنا بعده: لابد من تطلب تأويل لبيع بريرة وهى مكاتبة عند من منع بيع المكاتب، فيقول من حكينا عنه: إن بيعه جائز للعتق لا للخدمة، إنما جازها هنا لأن عائشة اشترتها للعتق وأنا أجيزه، ومن يجيز بيع كتابة المكاتب يقول: لعلها اشترت كتابتها، ويحتج بقوله هاهنا فى كتاب مسلم: " فإنى أحب أن أقضى عنك كتابتك ".

وهذا ظاهره أنها لم تشتر الرقبة، ومن يمنع بيع المكاتب وبيع كتابته يقول: عجزت ورضيت بالبيع؛ فلهذا اشترتها عائشة، وأما شراء العبد القن بشرط الاعتاق فيتعلق بهذا الحديث من يجيزه ويقول: قد اشترتها عائشة بشرط العتق، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ابتاعى وأعتقى "، وهذا يصحح ما ذهبت إليه. ومن يمنع بيع العبد القن بشرط العتق قد ينازع فى هذا، ويمنع من كون عائشة مشترية، وقد يحمله على قضاء الكتابة عن بريرة أو على شراء الكتابة خاصة. وإن كان أحد جمع بين هذين المذهبين؛ منع البيع للعتق وجواز بيع الكتابة، هذا وجه من الكلام على هذا الحديث.

وأما الوجه الثانى - وهو المشكل فى هذا الحديث -: فما وقع فى طرق ابن هشام هاهنا، وهو قوله عنه - عليه السلام -: " اشتريها وأعتقيها واشترطى لهم الولاء "، فيقال: كيف أمرها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذا، وفيه عقد بيع على شرط لا يجوز، وفيه تغرير بالبائعين؛ إذ شرطت لهم ما لا يصح وخدعتهم، ولما صعب الانفصال من هذا على بعض الناس أنكر هذا الحديث أصلاً، يحكى ذلك عن يحيى بن أكثم، وقد وقع فى كثير من الروايات سقوط هذه اللفظة، وهذا مما يشجع يحيى على إنكارها.

وأما المحصلون من أهل العلم فطلبوا لذلك تأويلاً، واختلفوا فيه، فقال بعضهم: "لهم " هاهنا بمعنى " عليهم "، فيكون معناه: اشترطى عليه الولاء، وعبر عن " عليهم " بلفظ " لهم "، كما قال تعالى: {أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ} (١) بمعنى: عليهم، {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} (٢) أى فعليها. وقال آخرون: معنى " اشترطى " هاهنا: أظهرى حكم الولاء. قال أوس بن حجر يذكر رجلاً تَدَلَّى من رأس جبل يحمل إلى بيعه ليقطعها فيتخذ منها قوسًا، واشترط فيها نفسه وهو معهم، وألقى بأسباب له وتوكلاً، ومعناه: جعل نفسه علماً لذاك الأمر. وفيه قيل: أشراط الساعة، بمعنى: علاماتها. ومنه سموا: أصحاب الشرط؛ لأنه كان


(١) الرعد: ٢٥.
(٢) الإسراء: ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>