للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْكِ فَلْتَفْعَلْ، وَيَكُونَ لَنَا وَلاؤُكِ. فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ

ــ

لهم فى القديم علامات يعرفون بها. ومن الشرط فى كذا، بمعنى: أنه علم عليه.

وقال آخرون: إنما المراد بهذا الزجر والتوبيخ؛ لأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين لهم أن هذا الشرط، فلما أخذوا يتقاحمون على مخالفته قال لعائشة هذا اللفظ بمعنى: لا تبالى بشرطهم لأنه باطل مردود، وقد سبق بيانى لهم ذلك لا على الإباحة لهم والأمر لها بذلك. وقد ترد لفظة " افعل " وليس المراد اقتضاء الفعل، ولا الإذن فيها، كما قال تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُم} (١)، {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا} (٢).

وأما الوجه الثالث: فإنه الكلام على قوله: " الولاء لمن أعتق " ولا خلاف بين العلماء فى معتق عبده عن نفسه أن ولاءه له. واختلفوا إذا أعتقه عن غيره رجل بعينه، أو عن جميع المسلمين، فمذهبنا: أن الولاء للمعتق عنه، كان رجلاً بعينه أو جماعة المسلمين. وقال ابن نافع من أصحاب مالك فى المعتق عن جماعة المسلمين: أن الولاء له دونهم، قال بعض شيوخنا: ويلزمه على ما قال أن يقول بمذهب المخالف: إن الولاء للمعتق وإن أعتق عن رجل بعينه. واحتج من رأى الولاء للمعتق وإذا أعتق عن غيره بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الولاء لمن أعتق "، فعمّ، وحمله مالك على أن المراد به: من أعتق عن نفسه، بدليل أن الوكيل إذا أعتق بإذن موكله على العتق، كان الولاء لمن وكله وإن كان هو المعتق.

وقد وقع هاهنا سؤال مشكل وهو: لو قال: أنت حر ولا ولاء لى عليك، وأما ابن القصار فالتزم فى هذا السؤال أن يكون الولاء للمسلمين، ونزّل هذا القول منزلة قول القائل: أنت حر عن المسلمين. وكان بعض شيوخنا يخالفه فى هذا، ورأى أن بقوله: أنت حر، استقر الولاء له، واستئنافه بعد ذلك جملة ثانية هى قوله: ولا ولاء لى عليك، لا يغير حكم الجملة الأولى؛ لأنه إخبار على أن حكم الجملة الأولى المستقرة بالشرع على خلاف ما حكم الله به، فيكون إخباره كذبًا وفتواه باطلاً، والباطل والكذب لا يلتفت إليه، ولا يعول فى مثل هذه الأحكام عليه.

وأما الوجه الرابع - من الكلام على هذا الحديث - فقوله: " فخيرها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد كان زوجها عبدًا ": فلا خلاف بين أهل العلم فى أن الأمة إذا أعتقت تحت عبد أن لها الخيار فى فسخ نكاحه. واختلف الناس فى الحر، هل تخير إذا عتقت تحته؟ فعندنا لا تخير؛ ولأن هذا الحديث قد ذكر فيه هاهنا أن زوجها كان عبدًا، والأصل ثبوت الأنكحة، ولا سبيل إلى إثبات الفسخ عند طريان حوادث إلا بشرع يدل على ذلك، وقد دل هاهنا على العبد، فيبقى الحر على الأصل. وأما المخالف الموجب لها الخيار - وإن كان زوجها


(١) فصلت: ٤٠.
(٢) الإسراء: ٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>