وفيه جواز نكاح العبد الحرة إذا رضيت بذلك لتخييرها. قال بعضهم: وفيه دليل على تعجيز المكاتب نفسه بغير أمر السلطان. وقد اختلف قول مالك فى ذلك، ودليل على رضاه بالعجز على الجملة، إذ لم يأت فى الحديث ذكر عجزها ولا استبهم النبى ذلك من حالها. وقد اختلف أئمتنا فى رضاه تعجيز نفسه وإن كان له مال. وقال ابن شهاب وربيعة وأبو الزناد: إذا رضى بالبيع فهو عجز وجاز بيعه. وقال مالك: لا يجوز ذلك لعجزه عن الأداء، وألا يكون له مال. وقد تأول بعضهم عجز بريرة ولذلك استعانت بعائشة. وفيه مما لم يذكره مسلم: أن المخيرة إذا مكنت زوجها من الاستمتاع بها انقطع خيارها؛ لقوله:" وإن قربك فلا يخار لك "، ذكره أبو داود. وفيه جواز الشفاعة من الحاكم للمحكوم عليه، وللزوج فى رد المطلقة إذا امتنعت، وأنه لا حرج على الزوج فيما يبديه من حبها؛ إذ لم يزجره النبى عن ذلك، وأنه لا حرج على المرأة فى الامتناع إذا كرهته وإن أضر حبها بالزوج؛ لقوله: فرأيته يطوف خائفًا يبكى. وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" ألا أرجعتيه "، وقولها للنبى: تأمرنى؟ فقال:" إنما أنا شفيع " خرجه النسائى (١).
وفيه أن الشفاعة، وطلب الحاجة لا يكون فيما يضر ويشق إلا على وجه الإلزام، بل بالرغبة والتعرض، وفيه جواز خدمة المعتق، وفيه جواز قبول الهدية من الفقير وممن أنعم الرجل عليه العتق بقوله:" وهو لنا هدية "، وفيه إدخال الرجل فى مال من يعلم أنه يسر بإدخاله فيه وطلبه، وأكله له بغير إذنه؛ إذ ليس فى الحديث أن بريرة كانت قد أهدته إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما أهدته إلى عائشة سأل، فقالوا: لحم تصدق به على بريرة، فقال:" هو لها صدقة ولنا هدية ".
قال الإمام: ذكر فى حديث بريرة: " لاها الله لا أفعل ذلك ": فيه لغتان: أحدهما: إثبات الألف، والأخرى: منعها هنا لسكونها وسكون اللام فى القاسم، فيصير اللفظ: هلا الله، بمعنى: والله.
قال القاضى: قد جاء فى المعلم، واللفظ الذى فى مسلم فقالت:" لاها الله إذا "، قالت: فسمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسألنى. وفى اللفظ الأول إشكال؛ إذ يدل أنها هى قالت: إن القائل بريرة وغير عائشة، وإنما هو من قول عائشة فأخبرت عن نفسها بقولها اشترتها، ثم قال المخبر عنها: فقالت: لاها الله؛ ولذلك قال بعضهم: صوابه:
(١) ك آداب القضاء، ب شفاعة الحاكم الخصوم قبل فصل الحكم (٥٤١٧).