للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ؛ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ قَالَ: نَهَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعَتَيْنِ وَلِبْسَتَيْنِ: نَهَى عَنِ الْمُلاَمَسَةِ

ــ

على المجنون، وسلَّم بعض أصحابنا أنه لو صب فى حلقه الخمرُ حتى ذهب عقله أن طلاقه لا يلزم حينئذ، لأنه غير متعد فى الشرب.

وأما بياعتُه، ففيه عندنا قولان: جمهور أصحابنا على أنها لا تلزمه؛ لأنه بسكره يقصُر ميزه فى معرفته بالمصالح عن السفيه، والسفيه لا يلزمه بيعه، وإن كان يقام الحدُّ عليه كما يقام على السكران. وذهب بعض أصحابنا إلى أنه تلزمه بياعته كما تلزمه الحدود. وأما هباته فتجرى على القولين فى بياعته.

وهذا حكم أحد الأركان، وهو المتعاقدان.

وأما المعقود به والمعقود عليه، فحكمهما واحد، وإنما تحسين التقسيم أدى إلى إفرادهما بالذكر، وإلا فكل معقود به معقود عليه؛ فيجب أن تعلم أن ما لا منفعة فيه أصلاً لا يجوز العقد له ولا عليه؛ لأن ذلك يكون من أكل المال بالباطل، ولم يقصد بالخمر ما ينتفع به إلى الهبة فيجوز له. وهذا الذى لا منفعة فيه أصلاً لا يصح ملكه إذا كان مما نهى الشرع عن تملكه كالميتة، والدم، ولحم الخنزير، والخمر، إلا أن الخمر إذا أجزنا تخليلها فقد سهل فى إمساكها للتخليل بعض أصحابنا.

وأما ما فيه منفعة مقصودة فلا يخلو من ثلاثة أقسام:

أحدها: أن يكون سائر منافعه محرمة. والثانى: أن يكون سائر منافعه محللة. والثالث: أن يكون بعضها محللاً وبعضها محرمًا. فإن كانت سائر منافعه محرمة صار هو القسم الأول الذى لا منفعة فيه كالخمر والميتة وإن كانت سائر منافعه محللة جاز بيعه إجماعًا، كالثوب والعبد، والعقار، والثمار، وغير ذلك من ضروب الأموال.

فإن كانت منافعه مختلفة فهذه المواضع المشكلات فى الأفهام ومذلة الأقدام، وفيه ترى العلماء يضطربون وأنا أكشف لك عن سره إن شاء الله ليهون عليك اختلافهم فيه. فاعلم أنه قد تقدم لك أصلان: جواز البيع عند تحليل سائر المنافع وتحريمه عند تحريم جميعها، فإذا اختلفت عليك فانظر فإن كان جل المنافع والمقصود فيها محرمًا حتى صار المحلل من المنافع كالمطرح فإن البيع ممنوع، وواضح إلحاق هذا بأحد الأصلين المتفق عليهما؛ لأن المطرح من المنافع كالعدم، وإذا كان كالعدم صار كان الجميع محرم. وإن كان الأمر بعكس ذلك كان الحكم بعكسه، وهو أن يكون المقصود من المنافع وجلها مباحًا والمحرم مطرحًا فى المقصود، فواضح إلحاق هذا بالأصل الثانى. وهو ما حل سائر منافعه، وأشكل من هذا القسم أن يكون فيه منفعة محرمة مقصودة مراده، وسائر منافعه سواها

<<  <  ج: ص:  >  >>