للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُنَابَذَة فِى البَيْعِ. وَالمُلامَسَةُ لَمْسُ الرَّجُلِ ثَوْبَ الآخَرِ بِيَدهِ بِالليْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ، وَلا يُقَلِبُهُ إِلا بِذَلِكَ. وَالمُنَابَذَةُ أَنْ يَنْبِذَ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ بِثَوْبِهِ وَيَنْبِذَ الآخَرُ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْعَهُمَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَلَا تَرَاضٍ.

ــ

محلل مقصود، فإن هذا ينبغى أن يلحق [فيه] (١) بالقسم الممنوع؛ لأن كون هذه المنفعة المحرمة مقصودة تؤذن بأن لها حصة من الثمن، وأن العقد اشتمل عليها، كما اشتمل على سائر المنافع سواها. وهو عقد واحد على شىء واحد لا سبيل إلى تبعيضه، والمتعاوض على المحرم منه ممنوع. فمنع الكل لاستحالة التميز، وأن الباقى من المنافع المباحة يصير ثمنه مجهولاً لو قدر جواز انفرداه بالتعاوض.

وربما وقع فى هذا النوع مسائل تشكل على العالم فيلحظ المسألة بعين فكرته، فيرى المنفعة المحرمة ملتبسًا أمرها، هل هى مقصودة أم لا؟ ويرى ما سواها منافع مقصودة محللة فامتنع من التحريم لأجل كون المقصود من المنافع محللاً ولا ينشط لإطلاق الإباحة لأجل الإشكال فى تلك المنفعة المحرمة أهى مقصودة أم لا؟ فيقف هاهنا المتورع ويتساهل آخر فيقول بالكراهة، ولا يمنع ولا يحرم، ولكنه يكره لأجل الالتباس. فاحتفظ بهذا الأصل فإنه من مذهبات العلم ومن قتله علمًا هان عليه جميع مسائل الخلاف الواردة فى هذا الباب وأفتى [وهو] (٢) على بصيرة فى دين الله.

ويكفيك من أمثلة هذا الباب على اتساعها وكثرتها ما وقع لأصحابنا من الاختلاف فى بيع كلب الصيد، فإنه من لم يسمع فيه حديثًا فى النهى عن بيعه، واستعمل هذا الأصل خرج له حكمه فيه، فيقول: فى الكلب من المنافع كذا وكذا، ويعدد سائر منافعه، ثم ينظر هل جميعها محرم فيمنع البيع؟ أو محلل فيجيز البيع؟ أو مختلفة فينظر هل المقصود المحرم أو المحلل، ويجعل الحكم للغالب على ما بسطناه؟ أو يكون منفعةٌ واحدة محرمة خاصة وهى مقصودة فيمنع على ما بيناه أو ملتبس كونها مقصودة فينف أو يكره على ما بيناه؟ والعرض على هذا الأصل هو سبب اضطراب أصحابنا فيه وكذلك بيع النجاسات ليذبل بها النبات ما وقع فيه فى المدونة، وفى الموازية ولابن القاسم ولأشهب على هذا الأصل يعرض ومنه يعرف الحق فيه.

وقد نبه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأحسن عبارة، وأقرب اختصار على هذا المعنى الذى بسطناه بقوله: صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الخمر: " إن الذى حرم شراءها حرم بيعها "، ومن كلامه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقتضينا هذا الذى هو الأصل العظيم، وذلك أنه أشار إلى أن المنفعة المقصودة من الخمر هى الشرب لا أكثر،


(١) ساقطة من ع.
(٢) ساقطة من الأصل، والمثبت من ع.

<<  <  ج: ص:  >  >>