للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ماله باطلاً. وقد نبه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على هذه العلة بقوله فى بيع الثمرة قبل الزهر: " أرأيت إن منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه ".

وقد رأينا العلماء أجمعوا على فساد بعض بياعات الغرر وأجمعوا على صحة بعضها، واختلفوا فى بعضها. فيجب أن يبحث عن الأصل الذى يعرف منه اتفاقهم واختلافهم، فنقول: إنا لما رأيناهم أجمع على منع بيع الأجنة، والطير فى الهواء، والسمك فى الماء، ثم رأيناهم أجمعوا على جواز بيع الجبة وإن كان حشوها مغيبًا عن الأبصار، ولو بيع حشوها على انفراده لم يجز، وأجمعوا على جواز إجارة الدار مشاهرة، مع جواز أن يكون الشهر ثلاثين أو تسعًا وعشرين، وأجمعوا على دخول الحمام، مع اختلاف الناس فى استعمال الماء وطول لبثهم فى الحمام، وعلى الشرب من الساقى، مع اختلاف عادات الناس فيه - أيضاً - قلنا: يجب أن يفهم عنهم أنهم منعوا بيع الأجنة لعظم غررها وشدة خطرها، وأن الغرر فيها مقصود يجب أن يفسد العقود. ولما رأيناهم أجمعوا على جواز المسائل التى عددناها، قلنا: ليس ذلك إلا لأن الغرر فيها نزر يسير غير مقصود، وتدعو الضرورة إلى العفو عنه.

فإذا أثبت هذا ووضح ما استنبطناه من هذين الأصلين المختلفين قلنا: يجب أن ترد جميع مسائل الخلاف الواقعة بين فقهاء الأمصار فى هذا المعنى إلى هذا الأصل، فمن أجاز قدر أن الغرر فيما سئل عنه غير مقصود، وقاسه على ما تقدم. ومن منع قدر أن الغرر مقصود، وقاسه على ما تقدم أيضاً.

وأما بيع الحصاة فاختلف فى تأويله اختلافًا كثيرًا. وأحسن ما قيل عنه تأويلات منها: أن يكون المراد أن يبيع من أرضه قدر ما انتهت إليه رمية الحصاة. ولا شك أن هذا مجهول لاختلاف قوة الرامى، وعوائق الرمى. وقيل: معناه: أى ثوب وقعت عليه حصاة رمى فهو المبيع. وهذا - أيضاً - مجهول، كالأول. وقيل: معناه: ارم بالحصاة، فما خرج كان لى بعدده دنانير أو دراهم، وهذا - أيضاً - مجهول. هذه ثلاث (١) تأويلات تتقارب وكلها يصح معها المنع.

وقد قيل تأويل رابع وخامس، قيل: معناه: أنه إذا أعجبه الثوب ترك عليه حصاة. وهذا إذا كان بمعنى الخيار، وجعل ترك الحصاة علمًا على الاختيار لم يجب أن يمنع، إلا أن تكون عادتهم فى الجاهلية أن يضيفوا لذلك أمورًا تفسد البيع، ويكون ذلك عندهم معروفًا ببيع الحصاة، مثل أن يكون متى ترك حصاه - وإن كان بعد عام - وجب له البيع فهذا فاسد. وقيل - أيضاً -: كان الرجل يسوم الثوب وبيده حصاة، فيقول: إذا سقطت


(١) فى س: عدة، والمثبت من ع.

<<  <  ج: ص:  >  >>