للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٥ - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ بْنِ أَبِى رَوَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ - يَعْنِى الْعَقَدِىَّ - حَدَّثَنَا قُرَّةُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنِ اشْتَرَى شَاةً

ــ

اليومين والثلاثة حتى يجتمع لبنها، فيزيد مشتريها فى ثمنها؛ لما يرى من ذلك. وقال أبو عبيد: إنه من صرى اللبن فى ضرعها، بمعنى حفيه فيه. وأصل التصرية حبس الماء وجمعه. قال أبو عبيد: ولو كان الربط لكانت مصرورة أو مصررة.

قال الخطابى: وقول أبى عبيد: حسن. وقول الشافعى صحيح، والعرب تصر ضروع المحلوبات، ويسمى ذلك الرباط صرارًا. واستشهد محتجًا لقول الشافعى بقولهم: العبد لا يحسن الكر، إنما يحسن الحلب والصر. وبقول مالك بن نويرة:

فقلت لقومى هذه صدقاتكم ... مصررة أخلافها لم تُحَرَّدِ

قال: وقد يحتمل أن تكون المصراة أصلها: مصررة، أبدل إحدى الرائين ياء، كقوله: تفضى البادى، وإنما هو: تفضض، كما قال تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} (١)، كرهوا اجتماع ثلاثة حروف من جنس واحد.

قال الإمام: وأما التصرية، فإن النهى عنها - أيضًا - لحق الغير. وهى أصل فى تحريم الغش، وفى الرد بالعيب. وقد كان شيخنا أبو محمد عبد الحميد - رحمه الله - يجعلها أصلاً فى النهى إذا كان لحق الخلق لا يوجب فساد البيع؛ لأن الأمة أجمعت على تحريم الغش فى البيع، ووقع النهى عنه هاهنا ثم خيره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ذلك فى أن يتماسك بالبيع، والفاسد لا يصح التماسك به. وفى هذا الحديث دلالة على أن التدليس محرم، ويوجب الخيار للمشترى وإن كان لتحسين المبيع الذى يؤدى إلى الخدع والغرور، وأن الفعل يقوم مقام النطق فى مثل هذا؛ لأن قصارى ما فيه أن المشترى رأى ضرعًا مملوءًا، فقدر أن ذلك عادتها. فحل ذلك محل قول البائع: إن ذلك عادتها، فجاء الأمر بخلافه، وصار البائع لما دلس كالقائل لذلك. وقد قال بعض الناس: لو كان الضرع مملوءًا لحمًا وظنه المشترى لبنًا لم يكن له خيار من هذه الجهة؛ لأجل أن البائع لم يدلس عليه.

وأما رد الصاع من التمر فقد ذكره أهل العراق، ومال إليه بعض أصحابنا؛ لأنه جاء عندى بخلاف الأصول من الغرامة عن اللبن تمرًا، ومتلف الشىء إنما يغرم مثله أو قيمته، وأما جنسًا آخر من العروض فلا. وأيضًا فإن الأصل [ليس] (٢) أن الخراج بالضمان، وأن المغتل لا يرد الغلة إذا رد بالعيب، وهذا قد أمرها هنا بالرد.


(١) الشمس: ١٠.
(٢) زيدت فى ق.

<<  <  ج: ص:  >  >>