للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَلَىُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا

ــ

واختلف القائلون بشرط الافتراق للأبدان، فأخذه مذهب الأوزاعى إلى أنه يتوارى أحدهما عن صاحبه. وقال الليث: هو أن يقوم أحدهما، وقال الباقون: هو افتراقهما عن مجلسيهما ومقامهما.

قال الإمام: اختلف الناس فى الأخذ بظاهر هذا الحديث، فأخذ به الشافعى وجماعة غيره من الأئمة، ورأوا أن خيار المجلس ثابت فى البيع، ولم يأخذ مالك به، واعتذر أصحابه عن مخالفته إياه مع أنه رواه بنفسه بمعاذير، منها: أنهم قالوا: لعله حمل التفرق هاهنا على التفرق بالأقوال، فيكون معنى قوله: " المتبايعان " أى المتساومان مكانهما بالخيار، ما داما يتساومان حتى يفترقا بالإيجاب والقبول، فيجب البيع وإن لم يفترقا بالأبدان، قالوا: الافتراق بالأقوال تسميته غير مستنكرة، وقد قال تعالى: {وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ} (١) يعنى المطلق، والطلاق لا يشترط فيه فرقة الأبدان. واستدلوا على هذا لما وقع فى الترمذى والنسائى وأبى داود من قوله: " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، إلا أن تكون صفقة خيار، ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله " (٢) ولو كان له الفسخ قبل التفرق جبرًا لم يحتج إلى أن يستقيله، ولا وجه لحمل الاستقالة على الفسخ؛ لأن ذلك بعيد عن مقتضاها فى اللسان، ولأنه - أيضاً - إذا قال أحدهما لصاحبه: اختر، فاختار، وجب البيع. ولا فرق بين [هذا] (٣) الالتزام الثانى والالتزام الأول؛ لأن المجلس لم يفترقا عنه، فإذا وجب بالقول الثانى وجب بالقول الأول.

واعتذر آخرون بان قالوا: العمل إذا خالف الحديث وجب الرجوع إلى العمل؛ لأن من تقدم لا يتهمون بمخالفة هذا الحديث الظاهر، إلا أنهم علموا الناسخ له فتركوه لأجله. وقال آخرون: لعل المراد به الاستحثاث على قبول استقالة أحد المتبايعين وإسعاده بالفسخ، وتكون الإقالة فى المجلس سنة بهذا الحديث، وبعد الافتراق من المجلس تفضلاً واستحبابًا. وهذه التأويلات عندى لا يصح الاعتماد عليها.

أما استعمال التفرق فى الأقوال، فلا شك أن استعماله فى الأبدان أظهر منه، والأخذ بالظاهر أولى، وأيضاً فإنه المتساومين لم يكن بينهما عقد ولا إيجاب فيعلم أنهما بالخيار، وإنما يعلم الخيار بعد الإيجاب بهذا الحديث.


(١) النساء: ١٣٠.
(٢) أبو داود، ك البيوع، ب فى خيار المتبايعين ٢/ ٢٤٥، وكذا الترمذى، ك البيوع، ب ما جاء فى البيعين بالخيار ما لم يتفرقا (١٢٤٧) وقال: هذا حديث حسن، النسائى، ك البيوع، ب وجوب الخيار للمتبايعين قبل افتراقهما بأبدانهما (٤٤٨٣).
(٣) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>