وأما قول بعض أصحابنا إنه مخالفة للعمل فلا يعول عليه - أيضاً - لأن العمل إذا لم يرد به عمل الأمة بأثرها، أو عمل من يجب الرجوع إلى عمله، فلا حجة فيه؛ لأن قصارى ما فيه أن يقول عالم لآخر: اترك علمك لعلمى، وهذا لا يلزم قبوله إلا ممن تلزم طاعته فى ذلك، وكذلك حمل هذا على الندب بعيد، لأنه نص على إثبات الخيار فى المجلس من غير أن يذكر استقالة ولا علق ذلك بشرط.
وأمثل ما وقع لأصحابنا فى ذلك عندى: اعتمادهم على قوله: " ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله " فإن الاستقالة فيما قالوه أظهر منها فى الفسخ بالجبر الذى يقوله المخالف، وإنما يبقى النظر فى طريق هذه الزيادة وثبوتها، ثم يجمع بينها وبين ما تقدم ويبنى بعضها على بعض، أو يستعمل الترجيح إن تعذر البناء وجهلت التواريخ.
هذا هو الإنصاف والتحقيق فى هذه المسألة وقد يتعلق أصحابنا بحديث اختلاف المتبايعين أنهما حكم فيهما بالتحالف والتفاسخ، ولم يفرق بين المجلس وغيره، فلو كان لهما ما احتاجا إلى التحالف، ويحمل هذا عند المخالف على التحالف فى الثمن فى بيع وجب واستقر حتى لا يمكن فسخه، وحديثهم أخص من هذا، فيكون بيانًا له، مع أن الغرض فى حديث اختلاف المتبايعين تعليم حكم الاختلاف فى الثمن، والغرض فى البيعين بالخيار تعليم مواضع الخيار وأخذ الأحكام من المواضع المقصود فيها تعليمها أولى من أخذها، مما لم يقصد فيه ذلك.
قال القاضى: لا خفاء أن مقتضى قوله: " لا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله " ظاهره الوجوب على ما جاء فى بعض الروايات، لكن ترك معظم السلف وأهل المدينة ممن روى الحديث وبلغه العمل به من أقوى ما يتمسك به فى أنه غير واجب.
وهذا ابن عمر - وإن كان قد عمل به - قد خالف مقتضى هذه الزيادة مما ذكره عنه مسلم بعد هذا، ورجوعه القهقرى عند مبايعته لعثمان، مخافة أن يستقيله، ثم قال فى حديث ذلك:" وكانت السُنة يومئذ أن البيعين بالخيار ما لم يفترقا "، فدل أن السنة حين تحدث بهذا لم تكن كذلك، ولا كان يعمل بها، ولو كان الأمر واجبًا لأنكر هذا ابن عمر، وحملت أولاً على الوجوب لما تركت.
وقوله:" إلا بيع الخيار ": أصل فى جواز بيع الخيار المطلق والمقيد [ولا خلاف](١) فيه على الجملة. واختلف هل يجوز إذا أطلق وإذا قيد؟ وهل البائع والمشترى سواء فى