للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ فِى بَيْع الْعَرِيَّةِ بِالرُّطَبِ أَوْ بِالتَّمْرِ، وَلَمْ يُرَخِّصْ فِى غَيْرِ ذَلِكَ.

٦٠ - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،

ــ

وأما دخول المزابنة فيه، فلأن أصل الزبن فى اللغة الدفع، ومنه قوله تعالى: {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} (١) يعنى ملائكة النار؛ لأنهم يدفعون الكفرة فيها للعذاب، ومنه قيل للحرب: ذبون؛ لأنها تدفع بنيها للموت، ومنه قول معاوية: ربما زبنت، يعنى الناقة فكسرت أنف حالبها، يقال للناقة إذا كانت عادتها أن تدفع حالبها عن حلبها: زبون، فكان كل واحد من المتبايعين يزبن صاحبه عن حقه بما يزداد منه، أو إذا وقف أحدهما على ما يكره تدافعا، فحرص على فسخ البيع، وحرص الآخر على إمضائه، وهذا شبيه بتسميته ما يؤخذ عن العيب أرشاً، لما فيه من التنازع والخصومة، يقال: أرشت بين القوم تأريشًا: إذا أفسدت. وألقيت بينهم الشر، والأرش مأخوذ من التأريش، وإذا ثبت أن هذا أصله، وإذا كانت الأشياء متجانسة انصرفت الأغراض إلى القلة والكثرة، فيقول كل واحد: لعل ما آخذه أكثر فأغبن صاحبى، وهذا لا يرتفع حتى يكونا جميعًا معلومين، وأما إن كانا مجهولين أو أحدهما فهذا التدافع حاصل، فمنع لذلك وإن لم يكن ما وقع عليه التبايع فيه الربا. وقوله فى بعض الطرق: " وعن كل تمر بخرصه " يؤكد ما قلنا فى تفسيرها، لكن إذا تباين الفضل أنه فى أحد الجانبين جاز ذلك فيما يجوز فيه التفاضل ويقدر المغبون واهباً للفضل لظهوره له، وإذا كانت الأشياء مختلفة ولا مانع يمنع من العقد عليها لم يدخلها التزابن؛ لصحة انصراف الأغراض؛ لاختلاف المعانى فى الأعواض.

قال القاضى: ما فسر به المزابنة فى الحديث هو أحد أنواعها كما ذكر، ونبه بذلك على غيره، كما فسره مالك فى الموطأ من قوله فى المزابنة: إن كل شىء من الجزاف الذى لا يعلم كيله ولا وزنه ولا عدده لا يباع بشىء من المكيل أو الموزون أو المعدود، إلى آخر ما ذكره فى الموطأ (٢) من أنواع المخاطرة فى تقرير المبيع من المطعوم وغيره، وقد عقد فيه قبل ما يكفى. قال ابن حبيب: الزبن والمحاقلة الخطر، وقيل: هو من الزبن وهو الدفع، كأنه دفع عن البيع الشرعى وعن معرفة التساوى. ومعنى قوله: " بيع الزرع بالحنطة كيلاً "، وكذلك قال فى العنب والزبيب والثمر والتمر والظاهر أن الكيل إنما هو فى أحدهما، وهو الذى يتأتى منه الكيل مما يبس ويقع المخاطر فى الآخر، ولذلك نهى عنه؛ إذ لا يدرى مقدار ما يدفع منه، ألا تراه كيف قال فى الحديث: " إن زاد فلى، وإن


(١) العلق: ١٨.
(٢) ك البيوع، ب ما جاء فى المزابنة والمحاقلة ٢/ ٦٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>