للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بالطعام، مثلاً بمثل " فيقول: إنى وإن لم أزاحمكم فى تطلب التعليل، فإن عموم هذا نص مذهبى وإن زاحمتكم فيه، فإنه يشير إلى ما قلت؛ لأنه علق الحكم بالطعام وهو مشتق من الطعم، ومعنى الاشتقاق هو علة الأحكام.

وأما أبو حنيفة فإنه - أيضاً - سلك قريباً من هذا المسلك فقال: فإن عامل خيبر لما باع الصاع بالصاعين أنكر ذلك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " لا تفعلوا، ولكن مثلاً بمثل، وبيعوا هذا، واشتروا بثمنه من هذا، وكذلك الميزان ". ومعلوم أنه لم يرد نفس الميزان، وإنما أراد نفس الموزون، فكأنه قال: " وكذلك الموزون "، فيقول - أيضاً -: إن لم نزاحم فى التعليل استدللت بعموم قوله؛ " وكذلك الموزون "، وإن زاحمتكم فيه كان ذكر الوزن مشيراً للعلة.

وقال أصحابنا فى الرد عليه: إن علته تجيز الربا فى القليل الذى لا يتأتى فيه الكيل، وعموم قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " البر بالبر " الحديث يوجب منع الربا فيه، فقد صارت العلة أخذت من أصل تنقصها عمومه، وذلك مما يبطل العلل، هذا الكلام فى الربا فى بياعات النقد.

وأما القسم الثانى: وهو الربا فى النسيئة، فنتكلم عليه فى الحديث المذكور فيه السلم، إن شاء الله تعالى. وقد اشتمل الحديث على أن الربا فى النقد فى هذه الستة المذكورة، وذكر عن ابن عباس أنه أجاز ديناراً بدينارين نقداً، وذكر أنه رجع عنه، وإن ثبت عنه أنه كان يجيزه فيقسط هذا القسم على أصله، ولا يكون ربا عنده إلا فى القسم الآخر الذى وعدنا بالكلام عليه، وذكر عنه مسلم ما ظاهره أنه تعلق بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الربا فى النسيئة وفى بعض طرق مسلم: " إنما الربا فى النسيئة وفى بعض طرقه: " لا ربا فيما كان يداً بيد وروى البخارى: " لا ربا إلا فى النسيئة " (١).

فإن قيل: كيف الوجه فى بناء هذه الأحاديث مع قوله: " الذهب بالذهب " الحديث، وفى فى آخره: " مثلاً بمثل، سواء بسواء، يداً بيد " فقد أثبت الربا مع كونه يداً بيد، وهذا يمنع من حمله على أن المراد به النسيئة حتى يكون مطابقاً لما تعلق به ابن عباس، وأيضاً قوله للذى كان يبيع الصاعين من التمر بصاع: " لا صاعين تمر بصاع " الحديث. قيل عنه ثلاثة أجوبة:

أحدها: أن يقال: قوله: " لا ربا إلا فى النسيئة "، يعنى فى العروض وما فى معناها، مما هو خارج عن الستة المنصوص عليها وعما يقاس عليها، ولا شك أن العروض يدخلها الربا نسيئة، على ما سنبينه فيما بعد، إن شاء الله تعالى.


(١) البخارى، ك البيوع، ب بيع الدينار بالدينار نساء (٢١٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>