للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والثانى: أن يكون المراد الأجناس المختلفة من هذه الستة أو ما فى معناها، فإنه لا ربا فيها إلا مع النسيئة، فيحمل ما تعلق به ابن عباس على هذا، حتى لا يكون بين الأحاديث تعارض وتناقض.

والجواب الثالث: أنه إنما أراد بقوله: " إنما الربا فى النسيئة " إثبات حقيقة الربا، وحقيقة أن يكون فى الشىء نفسه، وهو الربا المذكور فى القرآن فى قوله: {وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُم} (١) لأنهم كانوا يقولون: إما أن تقضى أو تربى.

هذه طريقة فى الجواب سلكها بعض العلماء، ولما عورض بما وقع من إطلاقاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كقوله: " فمن زاد أو استزاد فقد أربى "، وقد ذكر الذهب بالذهب والفضة بالفضة، قال: هذا على جهة المجاز والتشبيه له بالربا، وهذا عندى بعيد مع قوله فى حديث بلال لما باع الصاع بالصاعين، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أوه عين الربا "، فنص على أنه عين الربا، وهذا يبعد معه أن يكون أراد أنه يشبه الربا.

قال القاضى: قوله: " لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق .. " الحديث عام فى جميع أجناسها من مشكول ومصنوع وتبر وجيد وردىء، ولا خلاف فى هذا. واختلف عند أئمتنا لعلة ربا الأربع من المطعومات المذكورة فى الحديث، هل هى علة الاقتيات من المدخر مما هو أصل العيش غالباً، أم للاقتيات والادخار بمجرده دون التفات إلى غلبة العيش به؟ وعلى هذا الاختلاف فى العلة اختلف قول مالك فى الربا بالتفاضل فى الجوز واللوز وشبهه، وطرد ابن نافع من أصحابنا هذه العلة بمجرد الادخار والاقتيات فيما قد يدخر نادراً كالخوخ والكمثرى والرمان، فلم يجز فيها التفاضل وهو أن المسبب التحريم فى ذلك على ما يكال ويوزن من المطعومات والمشروبات دون غيرها، وهو قول الشافعى فى القديم، وبه قال أحمد بن حنبل.

قال الإمام: وقوله: " هاء وهاء " (٢): بعض المحدثين يقولونها مقصورة، وحذاق أهل اللغة يمدونها ويجعلون ذلك بدلا من الكاف؛ لأن أصلها هاك، يقولون: هاك السيف، بمعنى: خذه، ويقال للاثنين: هاؤما، وللجماعة: هاؤم، قال الله تعالى: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَه} (٣)، ويقال: هاءِ، بالكسر.

قال القاضى: وحكى ثابت وغيره من أهل اللغة: ها بالقصر والسكون، مثل: خف، والاثنين: هاءا، مثل: خافا، وللجميع: هاؤوا، مثل: خافوا، وللمؤنث:


(١) البقرة: ٢٧٩.
(٢) ستأتى الرواية فى الباب التالى.
(٣) الحاقة: ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>