للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِى الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِى الْحَرَامِ، كَالرَّاعِى يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ

ــ

قال الإمام: وإنما نبه أهل العلم على عظم هذا الحديث؛ لأن الإنسان إنما يعتبر بطهارة قلبه وجسده، فأكثر المذام والمحظورات إنما تنبعث من القلب، فأشار صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لإصلاحه، على أن صلاحه هو صلاح الجسد، وأنه الأصل. وهذا صحيح، يؤمن به حتى من لا يؤمن بالشرع، وقد نص عليه الفلاسفة والأطباء.

والأحكام والعبادات التى ينصرف الإنسان عليها بقلبه وجسمه، تقع فيها مشكلات وأمور ملتبسات التساهل فيها، وتعويد النفس الجرأة عليها يكسب فساد الدين والعرض، فنبه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على تَوقِّى هذه، وضرب لها مثلاً محسوساً؛ لتكون النفس له أشد تصوراً، والعقل أعظم قبولاً، فأخبر - عليه السلام - أن الملوك لهم حمية، لا سيما وهكذا كانت العرب تعرف فى الجاهلية، أن العزيز فيهم يحمى مروجاً وأبنية، فلا تجاسر عليها، ولا يدنى منها، مهابة من سطوته، وخوفاً من الوقوع فى حوزته، وهكذا محارم الله - سبحانه - من ترك منها ما قرب فهو من متوسطها أبعد، ومن تحامى طرف الشىء أمن عليه أن يتوسط، ومن طرف توسط. وهذا كله صحيح، وإنما بقى أن نتكلم على هذه المشتبهات [فنقول:

قد أكثر العلماء من الكلام على تفسير المشتبهات] (١)، ونحن ننبهكم على أمثل طريقة، فاعلم أن الاشتباه هو الالتباس، وإنما يطلق فى مقتضى هذه التسمية هاهنا على أمر ما أشبه أصلاً ما، ولكنه مع هذا يشبه أصلاً آخر يناقض الأصل الآخر، فكأنه كثرت أشباهه، وقيل: اشتبه بمعنى اختلط، حتى كأنه شىء واحد من شيئين مختلفين.

وإذا أحطت بهذا علماً فيجب أن تطلب هذه الحقيقة، فنقول: قد تكون أصول الشرع المختلفة تتجاذب فرعاً واحداً تجاذباً متساوياً فى حق بعض العلماء، ولا يمكنه تصور ترجيح، ورده لبعض الأصول يوجب تحريمه، ورده لبعضها يوجب تحليله، فلا شك أن الأحوط تجنب هذا، ومن تجنبه وصف بالورع والتحفظ فى الدين، وما أخذه من المسلمين بعيب فاعل هذا، بل المعلوم انتظار الألسنة بالثناء عليه والشهادة له بالورع إذا عرف بذلك.

وقد سئل مالك عن خنزير الماء فوقف فيه، وكان شيخنا - رحمه الله - يقول: لما تعارضت الآى عنده فنظر إلى عموم قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِير} (٢) فخاف أن يدخل فى عمومه فيحرم، ونظر إلى عموم قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ


(١) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم.
(٢) المائدة: ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>