للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَطَعَامُه} (١) وأمكن عنده أن يدخل فى عموم هذه الآية فيحل، ولم تظهر له طرق الترجيح الواضحة فى أن يقدم آية على آية، ووقف فيه، ومن هذا المعنى أن يعلم أصل الحكم، ولكنه يلتبس وجود شرط الإباحة حتى يتردد بينه وبين شرط التحريم، وذلك أن الإنسان يحل له أن يأكل ملكه أما فى معناه مما أبيح له تملكه، ويحرم عليه أكل ملك غيره وما فى معناه.

وقد وجد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تمرة ساقطة فترك أكلها واعتل بأنه لولا أنه يخاف أن تكون صدقة لأكلها، فلما كانت الصدقة محرمةً عليه وشك، هل حصل هذا التحريم فى هذه التمرة تركها، ولحقت بالمشتبهات، وهذا إذا كان الاشتباه من جهة أصول الشرع بعد نظر صحيح فيها، أو فى القسم الأخير الذى ذكرناه مع فقد أصول ترد إليها، وعدم أمارات وظنون يعول عليها.

وأما إذا كان الأمر خلاف ذلك، فليس من الورع التوقف بل ربما خرج بعضه إلى ما يكره، وبيان ذلك بالمثال: أن من أتى إلى ماء لم يجد سواه ليتوضأ منه فقال فى نفسه: لعل نجاسة سقطت فيه قبل أن أرد عليه، وامتنع من الطهارة به، فإن ذلك ليس بممدوح، وخارج عما وقع فى الحديث؛ لأن الأصل طهارة المياه وعدم الطوارى، واستصحاب هذا كالعلم الذى يظن أنه لم يسقط منه شىء، مع أن هذه الفكرة إذا أمر معها تكررت ولم يقف عند حد وأدى ذلك إلى انقطاع عن العبادات.

وكذلك لو أن إنساناً اشتهى النساء ثم قال: لعل فى العالم من رضع معى فلا يلقى امرأة إلا والعقل يجوز ذلك فيها إذا كانت فى سنٍّ يمكن أن ترضع معه، فاجتنبت جميع النساء لهذا الخاطر الفاسد لم يكن مصيباً، كمثل ما قلناه فى الماء من استصحاب الحال فى عدم هذه الأمور.

وما يقع من الضرر بالإصغاء إلى هذه الخواطر قد يتسع فيها الخرق فقد صارت الشكوك التى لا أصول لها، وتتكرر [على] (٢) نفسه ويعظم الضرر بالمرور على موجبها ساقطةً فى الشرع حتى كانت المداواة عند بعض الفقهاء، والمستحسن إضراب النفس عنها والتغافل عن إخطارها بالبال، كما يقولون فى الموسوس فى الحدث بعد الوضوء: إنه يؤمر بأن ينهى عن ذلك ويعرض عنه، حتى إذا اعتاد الإعراض عنه لم يتكرر عليه.

وقد يكون هذا الشك له مستند ولكن الشرع عفى عنه لعظم الضرورة، كمن تحقق أن امرأة أرضعت معه والتبست عليه بنساء العالم، فإنا إن قطعنا عليه شهوته وحرمنا عليه نساء


(١) المائدة: ٩٦.
(٢) من ع، وفى نسخة الإكمال: فى.

<<  <  ج: ص:  >  >>