للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالنَّاسُ يُسْلِفُونَ. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَسْلَفَ فَلَا يُسْلِفْ إِلَّا فِى كَيْلِ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ ".

ــ

وأمَّا الشافعى فإنه يحتج بأنه أمر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض أصحابه بأن يعطى بعيراً فى بعيرين إلى أجل (١)، وهذا يخص قوله تعالى: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} (٢) إذا قلنا: إن الزيادة فى عوض الشىء تسمى ربا حقيقة، وجماعة من أهل الأصول يذهبون إلى تخصيص العموم بخبر الواحد، وبعضهم يمنع منه.

وأمَّا مالك، فإنه توسط بين القولين، وعدل بين المذهبين، وسلك حماية الذريعة، وأصله القول بها، فينظر إلى أن الأجناس إذا اختلفت جاز التفاضل فيها نسيئة، والغرض من المتملكات الانتفاعات، وأمَّا نفس الذوات فلا يملكها إلا الله الذى يؤخرها ويقدمها، وإنما ملك الخلق الانتفاع بها، فإذا كانت المنافع مختلفة وهى المقصودة التى يتعلق بها الملك، وجب أن تحل محل اختلاف الأجناس.

وإذا كان الغرض فى دابة الحمل عليها، والغرض من أخرى الجرى بها، صار فى الأنفس كدابة يراد ركوبها، وثوب يراد لباسه. فإذا تساوت المنافع نظر إلى قوله: إن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن سلف جرَّ نفعاً. فإذا دفع ثوباً فى ثوبين الغرض فيهما كالغرض فى الثوب مكانه، أسلفه واشترط عليه أن ينتفع بالزيادة. ولو أسلم ثوبين فى ثوب تتفق الأغراض فيها لأنَّها - أيضاً - على أن يكون أعطاه أحد الثوبين ليضمن له الثانى فى ذمته أجلاً سمياه، فيصير ذلك مُعاوضة على الضمان وسلفاً لينتفع بالضمان، وذلك لا يجوز.

ولو تحققنا حصول السلف والغرض على وجه لا منفعة فيه محققة، وهى الزيادة المحسوسة، ولا منفعة فيه محققة ليتهم الناس عليها - لأجزنا ذلك إذا سلك به مسلك الفرض.

وقد وقع عندنا اضطراب فى المذهب فى التبايع بما اتفقت أجناسه ومنافعه ولم تقع فيه زيادة، هل يجوز أم لا، كسلم ثوب فى مثله؟ فأجيز؛ لأن تقدير منفعة فى ذلك يهم الناس عليها يبعد فى النفوس، ومنع لئلا يقصد الانتفاع بضمان القابض عوضاً عن منفعته بما قبض.

وأمَّا الشافعى فيجيز ذلك، وهو يجيزه وإن حصل فيه التفاضل الذى هو منفعة


(١) البخارى، ك البيوع، ب بيع العبد والحيوان بالحيوان نسيئة، تعليقاً. الفتح ٤/ ٤١٩.
(٢) البقرة: ٢٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>