هاهنا وصف الرجل بأنه ذكر، مع العلم بأنه لا يكون إلا كذلك؟ وقد أجاب بعض الناس عن حديث الزكاة بأن الابن قد يوضع موضع الولد، ألا تراهم يقولون: بنو تميم، يريدون الأنثى منهم والذكر، وإذا أمكن أن يوضع " ابن " موضع " ولد " وكان الولد ينطلق على الذكر والأنثى، حَسُن التأكيد هاهنا؛ لئلا يظن أنه أطلق الابن على الذكر والأنثى. ورأيت بعض الناس زعم: إنما قال: " ابن لبون ذكر " لوجود خنثى فى الأولاد اللبون وفى غيرها من الإنسان، فقيل بالذكورية لتسير إلى منع أحد الخنثى.
وهذان الجوابان لا يتلقاهما الفهم بالقبول، والذى يلوح لى فى ذلك جواب ينتظم الحديثين جميعًا وهو: أن قاعدة الشرع قد استقرت على أن الانتقال من سن إلى أعلى منه إنما يكون عند الانتقال من عدد إلى أكثر منه، فالعدد الكثير أحمل للمواساة، فإذا زاد العدد زاد قدر المخرج، ولهذا كانت فى الخمسة والعشرين بنت مخاض، وفى الست والثلاثين بنت لبون التى هى السن من البنت مخاض، وفى الستة والأربعين بما هو أسن وهى الحقة، فلما استقر الأمر على هذا وجعل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الخمسة وعشرين وهو عدد واحد سناً، وأعلى منه وهى بنت مخاض، وأعلى منها وهو ابن لبون، توقع أن يهجس فى النفوس أن ذلك خارج عما أصل، فنبه على أن المخرج عن العدد الواحد من أنهما كالسن الواحد؛ لأن ابن لبون وان كان أعلى سناً فهو أدنى قدرًا لأجل الذكورية، فنبه بقوله:" ذكر " على أن ذلك يبخسه حتى يصير كبنت مخاض التى هى أصغر سنًا لكنها أنثى، وكذلك لما علم أن الرجال أرباب القيام بالأمور وفيهم معنى التعصيب، وكانت العرب ترى لهم القيام بأمور لا نراها للنساء، ذكر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذكورية ليجعلها كالعلة التى لأجلها خص بذلك، لكنه ذكرها هاهنا تنبيهاً على الفضل، وفى الزكاة تنبيهاً على النقص.