تخييرهم، فاختلف اختيارهم بحسب اجتهادهم، وهو يدل على رجوعهم إلى الاجتهاد فى الشرعيات، فأرى عمر - رضى الله عنه - اجتهاده إلى الامتناع من هذا، ولعله استلوح أن ذلك منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدر من غير قصد إليه جازم، وهو المعنى بقولهم: " هجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وبقول عمر - رضى الله عنه -: " غلب عليه الوجع " وما ضامه من القرائن الدالة على أنه عن غير قصد جازم على حسن ما كانوا يعهدونه من تعوده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى بلاغ الشريعة، وأنه لا يجرى مجرى غيره من طرق البلاغ التى اعتادوها منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ظهر ذلك لعمر - رضى الله عنه - ولم يظهر للآخرين ما ظهر لعمر فخالفوه، فلعل عمر - رضى الله عنه - هجش فى نفسه أن المنافقين قد يستطرقون إلى القدح فيما اشتهر من قواعد الإسلام، وبلغه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لسائر المسلمين بكتاب يكتب فى خلوة وأحاد، ويضيفون إليه ما يشبهون به على الذين فى قلوبهم مرض، ولهذا قال عمر: " عندكم القرآن، حسبنا كتاب الله ". قال أهل اللغة: هجر العليل بمعنى هذى.
قال الإمام - رحمه الله -: فقد قدمنا نحن بيان القول فيما وقع منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبينا ما يجوز عليه وما لا يجوز.
قال الإمام القاضى - رحمه الله -: رواية مسلم فى هذا: " العجز ": وكذا وقع فى كثير من الطرق، وهو أصح من رواية مَنْ روى: " هجر " و " يهجر " إذ هذا كله لا يصح منه - عليه السلام - ولا يصح أن يعتقد عليه وإنما جاء هذا لِمَنْ قائله على طريق الإنكار لمن قال: لا تكتبوا، أى لا تتركوا أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتجعلوه كأمر من هجر فى كلامه، أو هو لا يهجر، كما قال تعالى:{أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا}(١) أى أنت لا تهلكنا