والحجر - الذى هو العقل - بالكسر لا غير، والحجر: المنع، بالفتح لا غَيرَ مصدراً، والكسر لا غَيرَ اسماً.
وقول ابن عباس: يوم الخميس وما يوم الخميس؟ وذكرهُ قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين اشتد به وجعه:" ائتونى أكتب لكم كتاباً بألا تضلوا بعدى " وذكر تنازعهم فى ذلك، وقول عمر - رضى الله عنه -: " حسبنا كتاب الله "، وقوله عند ذلك:" دعونى فالذى أنا فيه خير "، وفى الرواية الأخرى:" قوموا عنى "، وقول ابن عباس:" إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب ".
قال الإمام - رحمه الله -: النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معصوم من أن يكذب على الله - عز وجل - أو يفسد ما يبلغه عنه، وهو مع هذا غير معصوم من الأمراض وما يكون من بعض عوارضها ما لا يعود لبعض فى منزلته ولا فساد فيما مهد من شريعته. وقد كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما سحر يخيل إليه أنه عمل الشىء وما عمله، ولم يجر ها هنا منه - عليه السلام - من الكلام ما يعد مناقضاً لما قدم من الأحكام والشرائع ولا الكلام فى نفسه دال على الهذيان الذى يكون على الحميات، وقد بقى كثير من الأحكام عظيم خطرها فى الشرع غير منصوص عليها، ولكنه قد حض على أصولها ووكل العلماء إلى الاستنباط، فيقول كل إنسان منهم بقدر ما يظهر له. وقد يقع بسبب اختلافهم فيما استنبطوه فى بعض المسائل مرج وفتن، ولو وقع النص عليها لارتفع الخلاف وذهب الهرج، ولعله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان أراد أن يتعرض لبعض هذه المسائل، وقد قال بعض العلماء: الأظهر عندى أنه أراد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ينص على الإمامة بعده؛ ليرتفع بنصه عليها تلك الفتن العظيمة التى منها حرب صفين والجمل، وهذا الذى قاله غير بعيد.
فإن قيل: كيف حسن الاختلاف مع قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ائتونى أكتب لكم "؟ وكيف يعصونه فيما أمر؟ قلنا: لا خلاف أنَّ الأوامر تقارنها قرائن تنقلها من الندب إلى الوجوب عند من قال: إن أصلها على الندب، ومن الوجوب إلى الندب عند مَنْ قال: إن أصلها على الوجوب. وتنقل القرائن - أيضاً - صيغة أفعل إلى الإباحة وإلى التعجيز، وإلى غير ذلك من ضروب المعانى.
فلعله ظهر منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من القرائن ما دل على أنه لم يوجب ذلك عليهم بل جعله إلى