للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(...) وَحَدَّثَنِيهِ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ

ــ

هذا إذا قاله على الحتم والقطع على الغيب أنه لو كان كذا لكان كذا، أو دون اشتراط مشيئة الله عز وجل والالتفات إلى سابق قدره ومغيب علمه، قال: وأما من قال ذلك على التسليم، ورد الأمر إلى القضاء والمشيئة فلا نهى فيه، ولا كراهة، وكأن بعضهم أشار إلى أن " لولا " بخلاف " لو ".

قال القاضى - رحمه الله -: والذى عندى أنهما سواء إذا استعملتا فيما لم يحط به الإنسان علمًا، ولا هو مما تحت مقدور قائلها، مما هو تحرض على الغيب واعتراض على القدر، وكما نبه عليه فيه الحديث، ومثل قول المنافقين: {لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} (١)، {لَّوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا} (٢)، {لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَا هُنَا} (٣) فرد الله عليهم قولهم وأكذبهم فى تحرضهم بقوله تعالى: {قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (٤)، {قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} (٥) وبقوله: فمثل هذا هو المنهى عنه لما ذكرنا.

والنبى - عليه السلام - فى هذا الحديث أخبر عن يقين نفسه أن سليمان - عليه السلام - لو قال: إن شاء الله، لولدت كل امرأة غلامًا، إذ ليس هذا مما يدرك بالظَّنِّ والاجتهاد، وإنما أخبر عن حقيقة ما أعلمه الله - تعالى - من غيبه، أو هو مثل قوله: " لولا بنو إسرائيل لم يختر اللحم، ولولا حواء لم تخن امرأة زوجها " (٦) فلا تعارض بينه وبين الحديث الآخر.

وهذا مثل ما أخبر الله تعالى من ذلك فى كتابه مما هو حق، إذ هو عالم الغيب والشهادة بقوله: {قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إلَى مَضَاجِعِهِمْ}، {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} (٧)، وكذا كما جاء من لولاه لقوله تعالى: {لَوْلا كِتَابٌ مِّن اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُم} (٨) الآيتان، {وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُر} (٩) الآيَة، {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِين} الآية (١٠)؛ لأن الله مخبر فى ذلك كان عما مضى،


(١) آل عمران: ١٦٨.
(٢) آل عمران: ١٥٦.
(٣) آل عمران: ١٥٤.
(٤) آل عمران: ١٦٨.
(٥) آل عمران: ١٥٤.
(٦) البخارى، ك الأنبياء، ب خلق آدم وذريته ٢/ ١٦١، ومسلم، ك الرضاع، ب لولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر ٢/ ٦٣.
(٧) الأنعام: ٢٨.
(٨) الأنفال: ٦٨.
(٩) الزخرف: ٣٣.
(١٠) الصافات: ١٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>