للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال القاضى: قال أبو جعفر الطبرى: يحكى عن محمد بن يزيد بن واقد بن عمر بن الخطاب (١) إنكار هذا الحديث، وتغليط الرواة فيه، وأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما قال: " لا يزنى [مؤمن] (٢) حين يزنى، ولا يسرق [مؤمن] (٣) حين يسرق وهو مؤمن ".

وعن ابن عباس: لا يفعل ذلك مستحلاً لفعله مؤمن، وقال الحسن: ينزع منه اسم المدح الذى يسمى به أولياء الله المؤمنين، ويستحق اسم الذم الذى يُسمى به المنافقون. واختاره الطبرى، قال: يقال له: زان [و] (٤) سارق [وفاجر وفاسق] (٥)، ويزول عنه اسم الإيمان بالكمال، وحكى البخارى عن ابن عباس: ينزع منه نور الإيمان (٦)، وروى فى ذلك حديثاً عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من زنا نزع نور الإيمان من قلبه، فإن شاء أن يرده إليه رده ". قال أبو القاسم المهلب: معنى هذا: أن ينزع منه بصيرته فى طاعة الله (٧).

وسئل الزهرى عن معنى الحديث، فقال: أمِرُّوا هذه الأحاديث كما أمرَّها من [كان] (٨) قبلكم، فإن أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمَرُّوها، ورآها من المشكل.

قال القاضى: وقيل: هو على النهى لا على الخبر (٩)، وهذا بعيدٌ لا يعطيه نظم الكلام ولا تساعده الرواية (١٠)، وهو من نحو ما تقدم لابن واقد ولا خلاف بين أهل السنة أن هذا الحديث ليس على ظاهره، وأن المعاصى لا تُخرجُ أحداً من سواد أهل الإيمان - على ما قدمناه - ثم اختلفوا فى تأويله وإمراره على ما جاء بعد تحقيق الأصل المتقدم، ويُفسّره حديث أبى ذرٍ: " من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة، وإن زنا وإن سرق "،


(١) لم أجده بهذا الاسم، ولعله هو محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، أبو واقد، فواقدٌ ابن محمد وليس أباه، هذا إذا كان والد محمد زيداً وليس يزيداً، وواقدٌ ذكره ابن حبان فى الثقات. أما محمد فهو قليل الحديث مع توثيق أبى حاتم له. التاريخ الكبير ١/ ٨٤، الجرح والتعديل ٧/ ٢٥٦، تهذيب التهذيب ٩/ ١٧٢، سير ٥/ ١٠٥.
(٢): (٥) من ق.
(٦) فى ك الحدود، ب لا يشرب الخمر ٨/ ١٩٥. والذى روى فى ذلك حديثاً هو الطبرى وليس البخارى، كما توهمه العبارة، وأخرجه من طريق مجاهد عن ابن عباس ولفظه: سمعت النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من زنى نزع الله نورَ الإيمان من قلبه. فإن شاء أن يرده إليه رده " فتح ١٢/ ٦٠.
(٧) وعبر عن هذا ابن الجوزى بقوله: فإن المعصية تذهله عن مراعاة الإيمان، وهو تصديق القلب، فكأنه نسى من صدق به. قال الحافظ: قال ذلك فى تفسير نزع نور الإيمان، ولعل هذا هو مراد المهلب. السابق ١٢/ ٦٢.
(٨) من ت.
(٩) وهو ما أخرجه الطبرى من طريق محمد بن زيد السابق، والمعنى: " لا يزنينَّ مؤمنٌ، ولا يسرقنَّ مؤمنٌ " قال الحافظ: وقال الخطابى: كان بعضهم يرويه: ولا يشْرَب - بكسر الباء على معنى النهى. فتح ١٢/ ٦٢.
(١٠) وقد رد بعض العلماء هذا القول بأنه لا يبقى للتقييد بالظرف فائدة، فإن الزنى منهىٌ عنه فى جميع الملل، وليس مختصاً بالمؤمنين. السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>