للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ، الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مَائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَاغْدُ يَاأُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا ".

قَالَ: فَغَدَا عَلَيْهَا، فَاعْتَرَفَتْ، فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَتْ.

(...) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنِى عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، كُلَّهُمْ عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ.

ــ

وقوله: " فأمر الناس فرجموها ": فيه حجة أنه لا يلزم الإمام أن يبدأ بالرجم ولا يحضره. وهذا مما اختلف فيه العلماء، فمذهبنا أنه لا يلزم الإمام ولا الشهود أن يبتدئوا ولا يحضروا، وهو مذهب الشافعى. وحجتنا أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يحضر أحداً ممن رجم، ولا يرجم ولا أمر الشهود بذلك. وذهب أبو حنيفة إلى حضور الإمام والشهود أنه إن كان الحد بالاعتراف أن يبدأ الإمام، وإن كان بالشهادة أن يبدأ الشهود، وإليه ذهب أحمد بن حنبل وبعض شيوخنا المتأخرين (١).

ومعنى قوله: " تفطمه " و " حتى فطمته ": أى قطعت رضاعه باستغنائه عنها، على ما تفسر فى الحديث من قوله: " أتته بالصبى وفى يده كسرة خبز، فقالت: يا رسول الله، هذا قد فطمته وأكل الطعام ".

وقوله: " فتنضح الدم ": روايتنا بالحاء المهملة؛ وفى رواية أخرى بالخاء المعجمة، وهما صحيحتان، وكلاهما من الرش والصب، وبعضهما أقوى من بعض، على اختلاف فى ذلك تقدم فى كتاب الطهارة.

وقوله: " لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له ": فيه دليل على عظيم ذنب صاحب المكس، وذلك لكثرة تباعات الناس عليه وظلامتهم قِبَله، وأخذه أموالهم بغير حقها، وسن سنة سيئة مستمرة استمرار الحقوق. وفيه وفى حديث ماعز دليل على أن التوبة لا تسقط حد الزنى والسرقة والخمر، إنما تنفع عند الله - تعالى - وأن التوبة لا تسقط حداً إلا حد الحرابة، وهذا قول الشافعى لقوله تعالى: {إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِم} (٢). ولم يقل مثله فى السارق، وإنما قال: {فَمَن تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّه


(١) انظر: المغنى ١٢/ ٣٢٦.
(٢) المائدة: ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>