ذِمَّةَ الله وَلا ذِمَّةَ نَبِيِّهِ، وَلَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابكَ، فَإِنَّكُمْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ، أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ، وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ، فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ الله، فَلاَ تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ الله، وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ، فَإِنَّكَ لا تَدْرِى أَتُصِيبُ حُكْمَ الله فِيهِمْ أَمْ لا ".
ــ
الطبرى: " ذمتك وذمة أبيك وذمم أصحابك، فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله " الذمة: العهد، هذا على الاحتياط إذ قد يخفرها من لا يعرف حقها، وما فى ذلك من جهلة الأعراب وسواد الجيش. ومعنى " تخفروا ": تنقضوا، خفرت الرجل: نقضت عهده، وخفرته: أجرته وحميته.
وقوله: " وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله - سبحانه - فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك. فإنك لا تدرى أتصيب حكم الله فيهم أم لا؟ ".
قال الإمام:[أما نهيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يجعل لهم ذمة الله وذمة رسوله، فإعظامه لذلك؛ لئلا يكون منهم تقصير يكاد أن يوقعهم فى إخفار الذمة، فيكون ذلك إذا أعطوا ذمة أنفسهم أهون منه إذا أعطوا ذمة الله](١).
وأما نهيه أن ينزلهم على حكم الله - سبحانه - وإشارته للتعليل: " لأنك لا تدرى. أتصيب حكم الله فيهم "، فقد يتعلق بظاهر هذا من يقول من أهل الأصول: إن الحق فى مسائل الفروع فى طرف واحد. وقد يجيب عن هذا من يقول من أهل الأصول: ليس لله - جلت قدرته - حكم يطلب فى مسائل الفروع حتى يخطئ مرة ويصيب أخرى سوى ما أدى المجتهد إليه اجتهاده، فهو حكم الله - تعالى - عليه بأن يقول: فإن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معرض لنزول الأحكام عليه كل حين وساعه، ونسخ الأحكام وتبديلها فى كل وقت. فلعله أراد: لا تنزلهم على ما أنزل الله - تعالى - مما أنت غائب عنه لا تعلمه؛ لأنك لا تدرى إذا فعلت معهم، هل تصادف ما أنزل على وأنت غائب عنه أم لا؟
قال القاضى: فى قوله: " فإن لقيت عدوك من المشركين فادعه إلى ثلاث خصال " وذكر فيها أخذ الجزية منهم وهم العدو، وذكر الإشراك، فيه حجة لمالك وأصحابه فى أخذ الجزية من كل كافر، عربياً كان أو غيره، كتابياً أو غيره، وهو قول الأوزاعى. وذهب أبو حنيفة إلى أن الجزية تقبل من الجميع إلا مشركى العرب ومجوسهم، وهو قول