للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكُونُ لَهُمْ فِى الْغَنِيمَة وَالْفَىْءِ شَىْءٌ، إِلا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمُ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَاَبُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِالله وَقَاتِلْهُمْ، وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ، فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذَمَّةَ الله وَذَمَّةَ نَبِيِّهِ، فَلاَ تَجْعَلْ لَهُمْ

ــ

قال الشافعى: لم يختلف أحد ممن لقيته أنه ليس للأعراب حق فى العطاء، ويحتج الشافعى بهذا الحديث؛ لأنه لا يرى للأعراب شيئاً من الفىء، وإنما لهم الصدقة المأخوذة من أغنيائهم فترد على فقرائهم. كما أن أهل الجهاد وأجناد المسلمين لا حق لهم من الصدقة عنده ويصرف كل مال فى أهله. وسوّى مالك وأبو حنيفة بين المالين، وجوزا صرفهما للصنفين. وذهب أبو عبيد إلى أن هذا الحديث منسوخ؛ لأن هذا كان حكم من لم يهاجر أولاً، فى أنه لا حق له فى الفىء ولا الموالات للمهاجر ولا موارثته، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} (١) ثم نسخ ذلك بقوله: {وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْض} (٢)، وبقوله: " انقطعت الهجرة، ولكن جهاد ونية " (٣)، وبقوله: " المؤمنون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم " (٤). ولهذا ما رأى عمر - رضى الله عنه - أن حق كل واحد كائناً من كان فى الفىء، وتأول قوله تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُول} الآية، ثم قال: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} وفى الآية بعدها: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإيمَان} (٥) فقال: الآيتان مسبوقتان على الآية الأولى ومعطوفتان عليها، وأن معنى: {لِلْفُقَرَاءِ} أى وللفقراء أن الفىء لجميع هؤلاء فيه حق، وليس أحد منهم إلا وله فيه نصيب، وهذا مذهب مالك فى الفىء والخمس، إذا النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يملك جميعه ولا اختص بخمس لخمس منه، كما قال الشافعى، وإنما كان يصرفه فيما يحتاج إليه هو وأهل بيته، ويصرفه فى مصالح المسلمين كلهم، وكذلك كان فعل الخلفاء بعده (٦). وقائلون يقولون: إنما يكون لمن فيه عناء على المسلمين فى جهاد عدوهم أو قيام بأمرهم، أو يكون من أهل الفاقة والمسكنة. ويأتى الكلام على هذا بعد.

وقوله: " وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوا أن يجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه، فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك "، وفى رواية


(١) الأنفال: ٧٢.
(٢) الأنفال: ٧٥.
(٣) البخارى، ك الجهاد، ب لا هجرة بعد الفتح ٤/ ١٨، النسائى، ك البيعة، ب ذكر الاختلاف فى انقطاع الهجرة ٧/ ١٤٥، أحمد ٤/ ٢٢٣.
(٤) أبو داود، ك الجهاد، ب فى السرية ترد على أهل العسكر ٣/ ٨٠ (٢٧٥١).
(٥) الحشر: ٧ - ٩.
(٦) انظر: التمهيد ٢٠/ ٤٥، ٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>