للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِى؟ ثُمَّ جَلَسْتُ. ثُمَّ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ. فَقَالَ: فَقُمْتُ فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِى؟ ثُمَّ جَلَسْتُ. ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ، الثَّالِثَةَ. فَقُمْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَالَكَ؟ يَا أَبَا قَتَادَةَ! "، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ القِصَّةَ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللهِ، سَلَبُ ذَلِكَ القَتِيلِ عِنْدِى، فَأَرْضِهِ مِنْ حَقِّهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: لاهَا اللهِ، إِذًا لا يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللهِ يُقَاتِلُ عَنِ اللهِ وَعَنْ رَسُولِهِ فَيَعْطِيكَ سَلَبَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صَدَقَ، فَأَعِطِهِ إِيَّاهُ "،

ــ

من أصحابنا ما فى منطقته من دنانير ودراهم لنفقة داخلة فى السلب، ولم ير ذلك الأوزاعى ولا غيره. وللشافعى قولان فيما وجد فى عسكر العدو من أموال المقتول، هل هو من سلبه أم لا؟

واحتج مخالفنا بقوله فى هذا الحديث: " من قتل قتيلاً له عليه بينة " (١). وقالوا: لا يستحق السلب القاتل إلا بالبينة أو شاهد ويمين، وهو قول الشافعى والليث وبعض أصحاب الحديث. وقال الأوزاعى: يعطى بقوله ولا يحتاج إلى بينة، وهو قول المالكية (٢)، وحجتهم فى هذا الحديث: أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطاه بشاهد واحد ولم يحلفه معه، وأنه لم يرد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البينة وإنما أراد أن يعلم ذلك، ونحو هذا الليث أيضاً، وأنهم عندهم باب خبر لا باب شهادة.

وأجاب المخالف بان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما أعطاه أبا قتادة بإقرار الذى حازه لنفسه، ولقول أبى بكر - رضى الله عنه - ما قال، فحصل شاهدان له واعتراف الذى فى يديه الشىء يكفى. وهذا لا حجة فيه؛ لأن أبا بكر لم يشهد إنما رد قوله بما قاله، ولأن المقر إنما ينفع إقراره لغيره بخلاف مالك لغيره فيه، وإنما النزاع فيه بينه وبين المقولة، وهذا السلب ملكه صحيح لجميع الجيش حتى يثبت لقاتل صاحبه.

قالوا: وفى هذا الحديث من الفقه من الحديث جواز كلام الوزير والمستناب عن الأمير وغيره، ممن يتقدمه بما يعلمه من جواب الأمير ومقدمة قبل كلامه؛ لقول أبى بكر - رضى الله عنه -: " لاها الله، إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه ". ومعنى قوله: " يقاتل عن الله ورسوله " أى: لتكون كلمة الله وكلمة رسوله هى العليا. فيه حجة أن من قاتل فى الجيش من أهل الذمة وقثل قتيلاً فلا سلب له.

وقوله: " فيعطيك سلبه ": مما قد يحتج به المخالف باستحقاقه السلب بإضافته إليه،


(١) انظر: الاستذكار ١٤/ ١٤٨، الحاوى ٨/ ٣٩٩، ٤٠٠.
(٢) انظر: الاستذكار ١٤/ ١٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>