ولا حجة له إنما استحق بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" فله سلبه " وتسويغه له ذلك. وقول أبى بكر - رضى الله عنه -: " لاها الله إذاً ": قال الإمام: هكذا روى، وصحيحه عند أهل اللغة: لاها (١) الله ذا، بغير ألف قبل الذال، و " ها " بمعنى الواو التى للقسم، فكأنه قال: والله ذا. وفى الكلام حذف تقديره: لا والله يكون ذا يمينى وذا قسمى. وقال أبو زيد:" ذا " صلة فى الكلام، وقد تقدم الكلام عليه فى حديث بريرة.
وقوله:" فابتعت به مخرفاً "، قال الإمام: المخرف، بفتح الميم والراء: البستان، والمخرف، بكسر الميم وبفتح الراء: الوعاء الذى يجعل فيه ما يخترف من الثمار. قال القاضى: رويناه بفتح الميم وبكسرها، فمن كسرها جعله مثل مربد، ومن فتحه جعله مثل مضرب. ورويناه - أيضاً - بفتح الميم وكسر الراء، كما قالوا: مَسْكِن ومَسْجِد ومَسْجَد ومَسْكَن. وقيل: المخرف: السكة من النخل هل يكون صغيرة تخترف من أيها شاء، أى يجتنى. قال أبو عبيدة: والمخرف: التمر الذى يجتنى. وأنكره عليه ابن قتيبة، وقال: إنما هى النخل، وأما التمر نفسه فمخروف. قال ابن وهب: هى الجنينة الصغيرة، وقال غيره: هى النخلات غير الكثيرة، وقال غيره: هو ما يجتنى. وقال أبو عبيد: يقال للنخل نفسه: مخرف. وقال الأصمعى: المخرف: جنى النخل؛ لأنه يخترف منها، أى يجتنى. وفيه حجة أن التمر من الفاكهة؛ لأن الخرفة الفاكهة. فمن حلف ألا يأكل فاكهة فأكل تمراً حنث، إلا أن تكون له نية أو عرف استعمال عندهم.
قال الإمام: وقوله: " إنه لأول مال تَأَثَّلْتُهُ ": أى تأصلته. وأثلة الشىء: أصله.
قال القاضى: وبقى فى هذا الحديث ألفاظ؛ منها: قوله: " فكانت للمسلمين جولة "، يريد انهزاماً وخفة ذهبوا معها، وهذا إنما كان فى مقدمة الجيش دون النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والخبر بذلك معلوم، وسيأتى فى حديث يوم حنين. وقد ذكر بعض علمائنا الإجماع أنه لا يجوز أن يقال: إن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انهزم أو هزم، ولم ير واحد قط فى حقه ذلك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل خلافه فى الثبات والإقدام.
وقوله:" فرأيت رجلاً قد علا رجلاً من المسلمين ": يحتمل أنه ظهر عليه وأشرف على قتله أو صرعه وجلس عليه ليقتله.