للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَتَلْتُ. فَقَالَ: " هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟ " قَالا: لا. فَنَظَرَ فِى السَّيْفَيْنِ فَقَالَ: " كِلاكُمَا قَتَلَهُ "

ــ

وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهما: " أيكما قتله؟ " فقال: كلنا قتله، فقال: " هل مسحتما سيفيكما؟ ": قالا: لا، فنظر فى السيفين فقال: " كلاكما قتله "، وقضى بسلبه لمعاذ ابن عمرو بن الجموح. قال ابن القصار وغيره: لما خص النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به أحدهما بعد قوله: " كلاكما قتله " علم على أن السلب غير مستحق للقاتل إذ يعطيه الإمام.

وقد اختلفوا فى الرجلين إذا قتلا قتيلاً، لمن سلبه؟ فقيل: ذلك لمن أجهز عليه إذا كان يقدر على التخلص من ضرب الأول، وإن كان لا يمتنع فلمن أثخنه، كما لو قطع الأول يديه ورجليه وقتله الآخر فالسلب للأول، وهذا مذهب الشافعى (١). ولو جرحه الأول عنده وأثخنه بذلك وذبحه الآخر كان للآخر، ولو عانقه الأول فقتله الآخر فللآخر سلبه. وقال الأوزاعى (٢): [سلبه] (٣) للمعانق. وقال مكحول: إذا قتله الأول وأجهز عليه الآخر فالسلب للأول.

ولم أجدهم يختلفون لو كانا مشتركين فيه على سواء أنه بينهما على السواء، فقال أصحاب الشافعى فى هذا الحديث: إنما خص النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به أحدهما لأنه استطاب نفس الآخر، وليس فى الحديث ما يدل عليه، وهذا تحكم. وقد قال بعضهم: بل كان هو الذى أثخنه، وإنما قال: " كلاكما قتله " تطييباً لنفس الآخر إذ كان شاركه فيه بعض المشاركة. وهذا أيضاً لا دليل عليه؛ لأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين نظر إلى سيفيهما قال لهما: " كلاكما قتله " ونظره ليرى فى ذلك دليلاً يرجح به جهة القاتل، من أثر طعام أو مبلغ الدم وشبهه.

وهذا كله مع تسليمنا أصل المسألة لهم فى هذا الحديث، إذ لم يكن من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى ذلك عهد، والا فعل ما قد ورد فى رواية أصحاب السير وغيرهم؛ أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يوم بدر: " من قتل قتيلاً فله سلبه "، كما قال يوم حنين، فإنما أخذها من أخذها فى اليومين بأمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإذنه، ولو كان هذا حكماً منه تمليكاً لازماً فيما مضى ويأتى لما اختلف الصحابة بعده فى ذلك والخلفاء، وأخذوا باجتهادهم فى ذلك.

فإن صح أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ذلك فتخصيص النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معاذاً به مع قوله: " كلاكما قتله " إما لأنه رجح فى نظره إلى السيفين أن معاذاً هو الذى أجهز عليه، أو يقدر على مقاتلته، أو يكون باجتهاده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحسب ما علم من نجدة معاذ وإقدامه، ويكون الآخر كالمعين له إن كان لم يقل ذلك.


(١) و (٢) انظر: التمهيد ٢٣/ ٢٥٨، ٢٥٩، المغنى ١٣/ ٦٦ وما بعدها.
(٣) ساقطة من س.

<<  <  ج: ص:  >  >>