هذا الحديث - وفيما وقع فى حديث قاتل أبى جهل - حجة لمالك فى السلب وقد تقدم، ولو كان حقاً للقاتل على كل حال ما أمر به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم رجع عنه.
فإن قيل: وأنتم إذا قلتم بأنه يعطيه على جهته الاجتهاد فلم رجع عنه؟ قلنا: لتبدل اجتهاده لأنه رآه أولاً أهلاً لأن ينفل السلب، فلما وقع ما يدل على الرد (١) على الأمير وتوقع فيه أن يجسر على أمرائه فيما بعد، رأى من المصلحة إمضاء ما فعلوه أولاً؛ ليكون ذلك أبلغ فى نفوذ أوامرهم وأمنع من الجرأة عليهم.
فإن قيل: فقد صارت هبة، والهبة لا يرجع فيها، قلنا: فى الوجوب عنها خلافاً مع أن هذه خارجة من هذا القبيل، وإنما هو مال الله يعطيه من يشاء بحسب الاجتهاد، فإذا ظهر له اجتهاد آخر هو أولى رجع إليه.
وقد وقع فى بعض طرقه أن عوفاً قال: يا خالد، أما علمت أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى بالسلب للقاتل؟ فقال: بلى، ولكنى استكثرته فإن قال الشافعى: ظاهر هذا أنه حكم قضى به وشرع خلاف تأويلكم، قلنا بعد أن نسلم أن ظاهر هذا اللفظ هكذا، فإنما هو قول الصاحب وفيه احتمال، وقد قدمنا من فعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما دل على ما قلناه.
قال القاضى: وقوله: فمر خالد بعوف فجر رداءه، فقال: هل أنجزت لك ما ذكرت لك عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فسمعه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاستغضب وقال: " لا تعطه يا خالد، هل أنتم تاركون لى أمرائى ": فيه ما يلزم من ترك الطعن على الأمراء وتوقيرهم وبرهم، وأن للإمام أن يترك ما أمر به ويرجع عنه أو يأمر بما قد نهى عنه فى أشياء، إذا رأى فيها مصلحة المنهى عنه أو غيره أو معاقبته، لنهيه هنا عن إعطاء السلب بعد تسويغه لما أنفهم له ما على خالد فى ذلك من الغضاضة من كلام عوف، وهذا كقوله: " اسق يا زبير حتى