ولكنه تأخر عن الحضور عنده فى هذا الأمر العظيم، مع عظم قدره هو نفسه؛ لموجدة فى نفسه ذكرها فى الكتاب، وهو أنه قال لنا: نرى لنا فى هذا الأمر نصيباً، فاستبد علينا به فوجدنا فى أنفسنا. ولعله أشار إلى أن أبا بكر استبد عنه بقصص وأمور عظام، وحق مثله أن - يحضر فيها ويشاور عليها. وقد يوهم قول عمر لأبى بكر:" والله لا تدخل عليهم وحدك " أنه خاف عليه أن يغدروه. ومعاذ الله أن يظن بهم ذلك، ولعله قد رآهم يغلظوا على أبى بكر - رضى الله عنهم - فى العاقبة، ويبدو منهم ما يكون عند أبى بكر جفاء فتتغير نفسه عليهم أو يتأذى بذلك ذكره عمر انفراده لذلك، وكذلك ما حكاه من كراهيتهم هم محضر عمر بن الخطاب؛ إنما ذلك لما كانوا يعلمونه من تشدده وتغلظه فيما يظهر له من الحق، فخافوا أن ينتصر لأبى بكر، فيغلظ عليهم فتتغير نفوسهم عليه.
وقوله:" ولم ننفس عليك ": يقال: نفست فى الشىء بكسر الفاء، نفاسة رغبته، وأيضاً: حسدتك عليه ولم أرك أهلاً له.
قال القاضى: كلام أبى بكر لعلى - رضى الله عنهما - وقوله: وأما الذى شجر بينى وبينكم فىِ هذه الأموال أى اختلفت الحال فيه بيننا ووقع النزاع، قال الله تعالى:{حتى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُم}(١)، والمشاجرة: الخصومة.
وقول على - رضى الله عنه -: " موعدك العشية للبيعة. فلما صلى أبو بكر - رضى الله عنه - صلاة الظهر رقى المنبر فتشهد ": فيه ما يدل أن العشى من بعد الزوال، كما جاء فى الحديث الآخر:" إحدى صلاتى العشى ". وفيه أن بيعة الأئمة تجب أن تكون بحضرة الملأ والجمع ولا يستتر بها، وأن التزامها واجب لجميع الناس.