للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَرْوَةُ بْنُ نُفَاثَةَ الجُذَامِىُّ. فَلَمَّا الْتَقَى المُسْلِمُونَ وَالكُفَّارُ وَلَّى المُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ، فَطَفِقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكُضُ بَغْلَتَهُ قِبَلَ الكُفَّارِ. قَالَ عَبَّاسٌ: وَأَنَا آخِذٌ بِلِجَامِ بَغْلَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَكُفُّهَا إِرَادَةَ أَنْ لا تُسْرِعَ، وَأَبُو سُفْيَانَ آخِذٌ بِرِكَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ

ــ

غلول" (١) ورده بعض الهدايا من المشركين، وقال: "إنا لانقبل زبد المشركين" (٢) أى رفدهم، وذلك مما نسخ عند بعضهم، لما تقدم من قبوله ما قيل، والأكثر أنه لا نسخ فى ذلك، إنما ذلك لأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مخصوص بكل ما أفاء الله عليه من غير قتال أن يتملكه وتصرف فيه لنفسه فيما يحتاج إليه، وغيره بخلافه. فقبل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ممن طمع فى إسلامه واستئلافه لذلك، ولمصلحة يرجوها للمسلمين، وكافأ بعضهم عليها، كل ذلك تماماً للاستئلاف. ورد هدية من لم يطمع فى إسلامه، أو لم يكن لقبول هديتهم وجه ولا منفعة من الكفار؛ إذ قبول الهدية يوجب التواد والمحبة، وغيره من الأئمة والأمراء لم يسوغ له ذلك ولا أخذها لنفسه عند أكثر العلماء. ومن قبلها فهى كسائر فىء المسلمين؛ إذا لم يهدها له إلا لأنه أمامهم. لمان كان فى جيشه حاضر فهى غنيمة، وهذا قول الأوزاعى ومحمد بن الحسن وابن القاسم وابن حبيب من أصحابنا، وحكاه ابن حبيب عمن لقيه من أهل العلم. وذهب آخرون إلى أنها له خاصة وهو قول أبى يوسف، وبه قال أشهب وسحنون من أصحابنا. وقال سحنون: إذا أهدى ملك الروم إلى أمير المسلمين هدية فلا بأس بقبولها، قال: إلا أن يكون الروم فى ضعف فهى رشوة.

وذهب الطبرى إلى أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما رد من هدايا المشركين ما أعلم أنه أهدى إليه فى خاصة نفسه، وقبل ما علم منه خلاف ذلك مما فيه استئلاف المسلمين، قال: ولا حجة لمن احتج بنسخ أحد الحديثين الأخرين؛ إذ لم يأت فى ذلك بيان، وحكم الأئمة بعده تصريفها مجارى مال الكفار من الغنيمة والفىء بحكم اختلاف الحال كما قدمناه (٣)، وإلى هذا يرجع قوله: " هدايا الأمراء غلول " - والله أعلم - أى إذا خصوا به أنفسهم لأنه لجماعة المسلمين، إما بحكم الفىء أو بحكم الغنيمة، وما يخمس كما تقدم. وقد يرجع إلى ما يهديه إليهم رعاياهم. وأصل الغلول: الخيانة؛ لأنهم إنما أهدوا لهم من قبل ولايتهم؛ ولهذا أنكره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: " هلا جلس فى بيت أبيه وأمه حتى يرى يهدى له " (٤) كل هذا حماية عن الهوادة لهم فى الحقوق بسببهما. وكان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبلها لتنزيهه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن


(١) مجمع الزوائد، وعزاه إلى الطبرانى فى الأوسط، وقال: حسن ٤/ ١٥١.
(٢) أحمد ٤/ ١٦٢، والطبرانى فى الكبير بلفظ: " إنى لا أقبل هدية مشرك " ١٩/ ٧١، وقال فى المجمع: رجاله رجال الصحيح ٦/ ١٢٧.
(٣) انظر: التمهيد ٢/ ١٢ وما بعدها.
(٤) أبو داود، ك الخراج والإمارة والفىء، ب فى هدايا العمال ٢/ ١٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>