هذا وعصمته منه، وقيل: إنما قبل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هدايا الكفار من أهل الكتاب ممن كان على النصرانية كمقوقس والنجاشى وملوك الشام، فلا تعارض بينه وبين قوله:" إنا لا نقبل زبد المشركين "، وقد أبيح لنا طعام أهل الكتاب وذبائحهم ومناكحتهم، فهم خلاف غيرهم.
وركوبه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البغلة فى مواطن الحرب تعويلاً على الثبات، وليكون فيه، يرجع إليه المسلمون وتطمئن قلوبهم إلى مكانه. وقد كانت له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفراس معروفة مسماة. وفيه ما كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الشجاعة والإقدام، من تقدمه بركض بغلته إلى جمع المشركين والناس كلهم قد فروا. نزوله إلى الأرض فى الرواية الأخرى:" لما غشوه " مبالغة فى ذلك ونهاية فى الثبات. وقيل: مواساة لمن كان نازلاً معه بالأرض راجلاً، وقد اعترف الصحابة كلهم - رضى الله عنهم - بشجاعته. وفى مسلم:" أن الشجاع منا الذى يحاذى به "، وأنهم كانوا يتقون به. وفيه: أن ذمة الرحم وقاية القرابة فوق كل ذمة، وشفقتها تربى على كل شفقة، إذ فر فى تلك المواطن كل أحد إلا آل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى عمه وبنى أعمامه ومواليه. وقوله:" ناد أصحاب السمرة ": أى الذين بايعوا عند الشجرة.
وقوله:، وكان عطفتهم عطفة البقر على أولادها ": دليل على أن فرارهم لم يكن بعيداً أولاً من جميعهم، وإنما شق عليهم من فى قلبه مرض من سالمه أهل مكة ومشركيها، الذين لم يسلموا حتى قالوا: لا يردهم إلا البحر، وإنما كانت هزيمتهم فجأة من انصبابهم عليهم بحرة ورشقهم بالسهام، ولاختلاط أهل مكة معهم ممن لم يقر الإيمان فى قلبه، وممن يتوقع بالنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدوائر، وفيهم نساء وصبيان خرجوا للغنيمة وصف إخفاؤهم وحسارهم كما ذكر فى الحديث: " فرجعت أولاهم لأخراهم " (١) إلى أن أنزل الله سبحانه سكينته - كما ذكر فى كتابه - على المؤمنين وأيدهم بجنوده.
(١) البخارى، ك مناقب الأنصار، ب ذكر حذيفة بن اليمان العبسى ٥/ ٤٩.