للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَطَافُوا بِالصَّفَا. فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُبِيدَتْ خَضْرَاءُ قُرَيْشٍ، لا قُرَيْشَ بَعْدَ اليَوْمِ. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِى سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ

ــ

قال القاضى: وقوله:" وما أحد يوجه إلينا شيئاً ": أى يدفع عن نفسه.

وقول أبى سفيان: " أبيحت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم ": كذا جاء فى حديث شيبان بن فروخ، وفى حديث الدارمى: " أبيدت " وكلاهما بمعنى متقارب، أى استؤصلوا. وأبيدت " بمعنى فنيت. و " خضراء قريش " كناية عن جماعتهم، ويعبر عن الجماعة المجتمعة بالسواد والخضرة؛ ولهذا قالوا: السواد الأعظم. ويقال فى مثل هذا: " غضراؤهم " أيضاً، وهم بمعنى الأول، أى استؤصلوا. والصلة من الغضارة، وهو الجيش النائم، وكذلك غضارة الشباب.

قال الإمام: قال الهروى: أباد الله خضراءهم: أى جماعتهم. وقال ابن الأعرابى: معناه: أباد الله سوادهم. قال ابن الأنبارى: سواد القوم معظمهم. قال ابن الأعرابى: الخضرة عند العرب السواد، يقال لليل: أخضر؛ لسواده. وأنشد:

يا ناقُ خبى خبباً زِورَّا ... وعارضى الليل إذا ما اخضرَّا

ويقال: أباد الله خضراءهم: أى حصدهم وشعثهم. قال النابغة:

يصونون أبداناً قديماً نعيمها ... بخالصة الأردان خضر المناكب

قال الإمام: اختلف الناس فى فتح مكة، هل كان صلحاً أو عنوة؟ فذهب مالك وجمهور الفقهاء وأهل السير: أنها عنوة، وقال الشافعى: بل هى صلح (١)، وانفرد بهذا المذهب. ودليل الجماعة عليه قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا} (٢)، ومثل هذا اللفظ لا يستعمل فى الصلح وإنما يستعمل فى الغلبة والقهر.

وقولهم: إن ذلك إنما أراد به صلح الحديبية؛ لما ذكره مسلم فى قصة الحديبية، قال: فنزل القرآن على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالفتح، فأرسل إلى عمر - رضى الله عنه - فاقرأه إياه، فقال: يا رسول الله، أفتح هو؟ قال:" نعم "، لا يصح لأن هذه الآية إنما نزلت والمراد بها فتح مكة. وهذا الحديث يؤكد ما قلناه؛ لأنه قال فيه: " إذا لقيتموهم غداً أن تحصدوهم حصداً "، وهذا أمر بقتلهم. ولا يكون ذلك إلا مع العنوة. وقد اغتروا بقوله: " إذا لقيتموهم غداً "، وظنوا أن هذا القول كان منه قبل الفتح بيوم، ثم وقع الصلح فى غده. هذا غير صحيح؛ لأنه قال: " فما أشرف لهم يومئذ أحد إلا أناموه "، وقال


(١) انظر: القرطبى ١٥/ ١٢٦، أحكام القرآن للجصاص ٣/ ٣٩٣، التمهيد ٢/ ١٦٠.
(٢) الفتح: ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>