للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَلْقَى السِّلاحَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: أَمَّا الرَّجُلُ فَقَدْ أَخَذَتْهُ رَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ، وَرَغْبَةٌ فِى قَرْيَتِهِ. وَنَزَلَ الوَحْىُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: " قُلْتُمْ:

ــ

أبو سفيان: " أبيدت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم " وهذا يدل على القتال، وقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من دخل دار أبى سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن "، فلو كانوا كلهم آمنين لم يحتج إلى هذا. وهذا كله واضح فى هذا الحديث دال على فساد ما قال الشافعى.

وتأويلهم: أنه إنما أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتل من لم يقبل أمانه، وأن المعاقدة على ذلك كانت دعوى، وإضافة إلى الحديث ما ليس منه، وكيف تتفق المعاقدة على مثل هذا. ومن آكدِ أيضاً ما يدل على ما قلناه: حديث أم هانئ (١) وقد ذكر فيه أنَّ علياً - رضى الله عنه - أراد أن يقتل الرجلين (٢)، وأنها أجازت، وأمضى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جوارها، فكيف يدخل مكة صلحاً ويخفى ذلك عن على - رضى الله عنه - حتى يحاول قتل الرجلين؟ وكيف يحتاج أحد إلى أمان أم هانئ وهو آمن بالصلح؟ وقد تقدم حديث أم هانئ.

وإنما شبه على القوم لأجل أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يستبح أموالها، ولا قسمها بين الغانمين. فلما رأى الشافعى هذا وخروجه عن الأصل اعتقد أنه صلح. وهذا لا تعلق له فيه؛ لأن الغنيمة لا يملكها الغانمون بنفس القتال على قول كثير من أصحابنا، وللإمام أن يخرجها عن الغانمين ويمن على الأسرى بأنفسهم وحريمهم وأموالهم، وكأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى من المصلحة بعد إثخانهم والاستيلاء عليهم، أن يبقيهم لحرمة العشيرة وحرمة البلد، وما رَجَى من إسلامهم وتكثير عدد المسلمين بهم، فلايرد ما قدمناه من الأدلة الواضحة بمثل هذا المحتمل.

وقد قال بعض العلماء: يمنع من بيع بيوتها لقول الله عز وجل: {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَاد} (٣). وقد حكى منع بيعها وكراء دورها عن مالك، وذكر أبو جعفر الأبهرى عنه أنه كره بيعها وكراءها، فإن بيعت أو أكريت لم يفسخ. وكان بعض شيوخنا يستقرى من المدونة الجواز من قوله فى فض الكراء إذا انهارت البئر: إنه يُفض، قال فى مثل دور مكة فى نفاقها أيام الموسم. وقد اختلف هل من بها على أهلها أو اْقرت للمسلمين فعلى القول بأنه مَنَّ بها على أهلها يجب الجواز، وقد تقع الكراهة حرصاً على المواساة وندباً إليها؛ لشدة حاجة الناس وضرورتهم، ومراعاة للخلاف. وذكر ابن عباس - رضى الله عنه - عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " مكة كلها مباح، لا تباع رباعها ولا تؤاجر بيوتها ".

قال القاضى: تقدم الكلام فى دور مكة فى كتاب الحج، وأما أمرها فى العنوة أو


(١) سبق فى ك صلاة المسافرين وقصرها، ب استحباب صلاة الضحى.
(٢) فى الأصل: رجلين، والمثبت من ع.
(٣) الحج: ٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>