للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٩١ - (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ. قَالَ: سَمِعْتُ الْبَراءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: لَمَّا صَالَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ، كَتَبَ عَلِىٌّ كِتَابًا بَيْنَهُمْ. قَالَ: فَكَتَبَ: " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ ". ثُمَّ ذَكَرَ بِنَحْوِ حَدِيثِ مُعَاَذٍ. غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِى الْحَدِيثِ: " هَذَا مَا كَاتَبَ عَلَيْهِ ".

ــ

خلافاً لمن ذهب إليه من الموثقين من أنه لابد من أربع؛ اسم المذكور، وأبيه، وجده، ونسبه. قال الإمام: فى هذا الحديث دلالة على أن للإمام أن يعقد الصلح على ما يراه صلاحًا للمسلمين، وإن كان يظهر فى بادئ الرأى أن فيه ما ظاهره اهتضام للحق؛ لأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ محا اسمه وعاقدهم - على ما ذكر مسلم - فيمن جاء منهم إلينا ومنا إليهم. وقد قال عمر - رضى الله عنه -: يا رسول الله، ألسنا على حق وهم على باطل؟ قال: " بلى "، قال: أليس قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار؟ قال: " بلى "، قال: فلم نعطى الدنية فى ديننا؟ الحديث. ومذهبنا أنه إذا عاقد الإمام على الرد لمن جاء مسلماً ينفذ عقده فى الرجال دون النساء، لقوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّار} (١)، ولكن اختلف الناس إذا طلب زوجته التى جاءت مسلمة، هل يعاض عنها الصداق الذى كان أعطاها؟ فقال بعض الناس: يعاض عنها لقوله عز وجل: {وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا} (٢).

وقال بعضهم: لا يعاض عنها، والآية منسوخة. وقال بعض العلماء: إن منع رد النساء بالقرآن نسخ لما تقدم من السنة وفيه نسخ السنة القرآن وفى ذلك خلاف بين أهل الأصول (٣).

قال القاضى: قد قيل: إن هذا ليس فيه نسخ ولا معارضة بين الكتاب والسنة؛ لأن الشرط إنما كان على رد الرجال دون النساء، وكذا جاء مبيناً فى بعض طرق هذا الحديث - فى صحيح البخارى فى كتاب الشروط -: " ولا يأتيك منا رجل وهو على دينك إلا رددته إلينا " (٤) ألا ترى أن فى هذا الحديث نفسه - فى غير مسلم - أنهم أخرجوا معهم بنت حمزة من العام المقبل، وفى جملة الحديث: " ولا يخرج من أهلها بأحد ".

وذهب أهل الكوفة إلى أن الصلح ومهادنة الكفار على رد من جاء منهم مسلماً رجلاً كان أو امرأة لا يجوز، وأنه منسوخ بآية النساء، خلاف ما ذهب إليه مالك. وحكى أصحاب الشافعى أن ذلك يجوز فى الرجال إذا كانوا مأمونين على ذمتهم وإلا لم يجز، وحكى مكى فى كتاب الناسخ والمنسوخ مجملاً: أنه لا يجوز أن يهادن المشركون اليوم على شىء من هذه الشروط، [وإنما هو السيف أو الإيمان أو الصلح على غير شىء من هذه الشروط] (٥) التى لا يجوز فى الدين، وأما مع أهل الكتاب والمجوس فجائز، قال: وقيل:


(١) و (٢) الممتحنة: ١٠.
(٣) انظر: أحكام القرآن للقرطبى ١٨/ ٦٠، أحكام القرآن للجصاص ٣/ ٤٣٧.
(٤) البخارى، ك الشروط، ب الشروط فى الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط ٣/ ٢٥٢ وما بعدها.
(٥) سقط من س، واستدرك فى الهامش.

<<  <  ج: ص:  >  >>