للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ هَذَا السَّائِقُ؟ " قَالُوا: عَامِرٌ. قَالَ: " يَرْحَمُهُ اللهُ ". فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: وَجَبَتْ. يَا رَسُولَ اللهِ، لوْلاَ أَمْتَعْتَنَا بِهِ قَالَ: فَأَتَيْنَا خَيْبَرَ فَحَاصَرْنَاهُمْ،

ــ

قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِك} (١) أى الرؤساء والأشراف، ومعنى قوله فى الرواية الأخرى: " إنَّ الأُولى " (٢).

وقوله: " وبالصياح عولوا علينا ": كذا روايتنا فى كتاب مسلم بياء باثنتين تحتها، وهو الصحيح. ومعنى " عولوا ": استعانوا، من التعويل على الشىء أو من الأعوال والعويل بالصوت والنداء.

وقوله: " فداء لك ": يقال بالمد والقصر، والفاء مكسورة. حكاه الأصمعى وغيره، فأما فى المصدر فالمد لا غير. وحكى الفراء: " فدا " مفتوح مقصور، وروياناه بالرفع: " فداءُ " على المبتدأ، وخبره، أى نفسى فداء أو فداء نفسى لك، وبالنصب على المصدر، ومعنى " اقتفينا ": أى اكتسبنا، وأصله الاتباع. قال الخليل: قفوت الرجل: قذفته بريبة، وقال الله سبحانه: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (٣)، أى لا تتبعه بظنك وتقول فيه بغير علم.

قال الإمام: وقع فى بعض النسخ: " فداء لك "، وفى بعضها: " فاغفر لنا فداك ما ابتغينا ". وهذه الرواية الثانية سالمة من الاعتراض، وأما " فداء لك " فإنه لا يقال: أفدى البارى تعالى، ولا يقال للبارى - سبحانه -: " فديتك " لأن ذلك إنما يستعمل فى مكروه يتوقع حلوله ببعض الأشخاص فيحب شخص آخر أن يحل به ويفديه منه. ولعل هذا وقع من غير قصد إلى حقيقة معناه، كما يقال: قاتله الله، وكما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تربت يمينك " (٤)، " وويل أمه مسعر حرب " (٥)، وقد تقدم، أو يكون فيه ضرب من الاستعارة؛ لأن الفادى لغيره قد بالغ فى طلب رضا المفدى حتى بذل نفسه فى محابه، فكان المراد فى هذا الشعر: أنى أبذل نفسى فى رضاك.

وعلى كل حال، فإن المعنى وإن صرف إلى جهة يصح فيها، فإطلاق اللفظ واستعارته والتجوز به يفتقر إلى شرع. أو يكون المراد بقوله: " فداء لك " رجلاً يخاطبه، وقطع بذلك بين الفعل والمفعول، فكأنه يقول: فاغفر، ثم عاد إلى رجل ينبهه فقال: " فداء


(١) القصص: ٢٠.
(٢) حديث رقم (١٢٥).
(٣) الإسراء: ٣٦.
(٤) البخارى، ك العلم، ب الحياء فى العلم ١/ ٤٤، مسلم، ك الحيض، ب وجوب الغسل على المرأة بخروج المنى ١/ ٣٢، الدارمى، ك الوضوء، ب فى المرأة ترى فى منامها ما يرى النائم ١/ ١٩٥، أحمد ٣/ ٨١.
(٥) البخارى، ك الشروط، ب الشروط فى الجهاد ٣/ ٢٥٦، أحمد ٤/ ٣٣١، أبو داود، ك الجهاد، ب فى صلح العدو.

<<  <  ج: ص:  >  >>