للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَتَّى أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ. ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ اللهَ فَتَحَهَا عَلَيْكُمْ ". قَالَ: فَلَمَّا أَمْسَى النَّاسُ مَسَاءَ الْيَوْمِ الَّذِى فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ، أَوْقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةً. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا هَذَهِ النِّيرَانُ؟ عَلَى أَىِّ شَىْءٍ تُوقِدُوَنَ؟ ". فَقَالُوا: عَلَى لَحْمٍ. قَالَ: " أَىُّ لَحْمٍ؟ " قَالُوا: لَحْمُ حُمُرِ الإِنْسِيَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَهْريقُوهَا وَاكْسرُوهَا ". فَقَالَ رَجُلٌ: أَوْ يُهْرِيقُوهَا وَيَغْسِلُوهَا؟ فَقَالَ: " أَوْ ذَاكَ ". قَالَ: فَلَمَّا تَصَافَّ القَوْمُ كَانَ سَيْفُ عَامِرٍ فِيهِ قِصَرٌ، فَتَنَاوَلَ بِهِ سَاقَ يَهُودِىٍّ لِيَضْرِبَهُ، وَيَرْجِعُ ذُبَابُ سَيْفِهِ فَأَصَابَ رُكْبَةَ عَامِرٍ، فَمَاتَ

ــ

لك ثم عاد إلى الأول فقال: " ما اقتفينا "، وهذا تأويل يصح معه اللفظ والمعنى، لولا أن فيه تعسفاً اضطر إليه تصحيح الكلام، إن صحت الرواية. وقد يقع فى (١) لسان العرب من هذه الفواصل بين الجملة المعلق بعضها ببعض ما يسهل هذا التأويل (٢).

قال القاضى: وقوله: " أصابتنا مخمصة ": أى ضيق من العيش وعدم الإكساء. قال الإمام: وأما ما وقع بعد هذا من قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " على أى شىء توقدون؟ " قالوا: على لحم. قال: " أى لحم؟ " قالوا: لحم الحمر الإنسية (٣)، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أهريقوها واكسروها فقال رجل: أو [يهريقونها ويغسلونها] (٤)، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أو ذاك "، فإن فى الناس من تأول فى ذلك أنهم أخذوها من المغنم قبل القسمة، ومنهم من يقول: أراد استبقاءها للحاجة إليها، ومنهم من يقول: لأنها حرام لحمها.

قال القاضى: تقدم الكلام عليه فى النكاح.

وقوله: " لحم حمرِ الأنسية ": كذا ضبطناه بفتح الهمزة والنون هنا عن بعضهم، وكذا قيده بعض اللغويين منسوبة إلى الإنس. والإنس: الناس. رواه أكثر الشيوخ: الإنسية بكسر الهمزة وسكون النون، منسوبة إلى الإنس، وكلاهما بمعنى صحيح.


(١) فى الأصل: من، والمثبت من ع، س.
(٢) قال الأبى: قلت: قال السهيلى: أقرب فيه إلى الصواب أنها كلمة يترجم بها على محبة وتعظيم، فجاز أن يخاطب بها من لا يجوز فى حقه الفداء، قصداً لإظهار محبته وتعظيمه، ورب كلمة ترك أصلها واستعملت كالمثل فى غير ما وضع له، كما جاؤوا بالقسم فى غير محله إذا أراد التعجب، أو استعظاماً لأمر ولم يرد القسم، ومنه الحديث: " أفلح وأبيه إن صدق "، ومن المحال أن يقسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغير الله، وإنما تعجب من قول. وما قيل من أنه منسوخ بحديث النهى عن الحلف بالآباء لا يصح، إذ يلزم أن يكون قبل النسخ يقسم بغير الله، ومعاذ الله من ذلك، وهذا الذى ذكر قريب مما ذكر القاضى أنه استعارة. ٥/ ١٤٣. ونحو من هذا ذكره ابن حجر ٧/ ٥٣٢.
(٣) فى س: الأهلية.
(٤) فى الأصل: يهريقوها ويغسلوها، والمثبت من س، ع.

<<  <  ج: ص:  >  >>