للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: ثُمَّ قُمْتُ عَلَى أَكَمَةٍ فَاسْتَقْبَلتُ الْمَدِينَةَ، فَنَادَيْتُ ثَلاثًا: يَا صَبَاحَاهُ، ثُمَّ خَرَجْتُ فِى آثَارِ الْقَوْمِ أَرْمِيهِمْ بِالنَّبْلِ، وَأَرْتَجِزُ أَقُولُ:

أَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ ... وَاليَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ

فَأَلْحَقُ رَجُلاً مِنْهُمْ، فَأَصُكُّ سَهْمًا فِى رَحْلِهِ، حَتَّى خَلَصَ نَصْلُ السَّهْمِ إِلَى كَتِفِهِ. قَالَ: قُلْتُ: خُذْهَا

وَأَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ ... وَاليَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ

قَالَ: فَوَاللهِ، مَا زِلْتُ أَرْمِيهِمْ وَأَعْقِرُ بِهِمْ، فَإِذَا رَجَعَ إِلَىَّ فَارِسٌ أَتَيْتُ شَجَرَةً فَجَلَسْتُ فِى أَصْلِهَا، ثُمَّ رَمَيْتُهُ، فَعَقَرْتُ بهِ، حَتَّى إِذَا تَضَايَقَ الْجَبَلُ فَدَخَلُوا فِىِ تَضَايُقِهِ، عَلَوْتُ الْجَبَلَ، فَجَعَلْتُ أُرَدِّيهِمْ بِالْحِجَاَرَةِ. قَالَ: فَمَا زِلْتُ كَذَلِكَ أَتبَعُهُمْ حَتَّى مَا خَلَقَ اللهُ مِنْ بَعِيرٍ مِنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا خَلَّفْتُهُ وَرَاءَ ظَهْرِى، وَخَلَّوْا بَيْنِى وَبَيْنهُ. ثُمَّ اتَّبَعْتُهُمْ أَرْمِيهِمْ، حَتَّى أَلْقَوْا أَكْثَرَ مِنْ ثَلاثِينَ بُرْدَةً وَثَلاثِينَ رُمْحًا، يَسْتَخِفُّونَ، وَلا يَطْرَحُونَ شَيْئًا إِلا جَعَلْتُ عَلَيْهِ آرَامًا مِنَ الحِجَارَةِ، يَعْرِفُهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ. حَتَّى أَتَوْا مُتَضَايِقًا مِنْ ثَنِيَّةٍ فَإِذَا هُمْ قَدْ أَتَاهُمْ فُلانُ بنُ بَدْرٍ الفَزَارِىُّ، فَجَلَسُوا يَتَضَحَّوْنَ - يَعْنِى يَتَغَدَّوْنَ - وَجَلَسْتُ عَلَى رَأسِ قَرْنٍ. قَالَ الْفَزَارِىُّ: مَا هَذَا الَّذِى أَرَى؟ قَالُوا: لَقِينَا مِنْ هَذَا الْبَرْحَ. وَاللهِ، مَا فَارَقَنَا مُنْذُ غَلَسٍ، يَرْمِينَا حَتَّى انْتَزَعَ كُلَّ شَىْءٍ فِى أَيْدِينَا. قَالَ: فَلْيَقُمْ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْكُمْ، أَرْبَعَةٌ. قَالَ: فَصَعِدَ إِلَىَّ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ فِى الْجَبَلِ، قَالَ: فَلَمَّا أَمْكَنُونِى مِنَ الْكَلامِ،

ــ

قال الإمام: قال أبو عبيد عن الأصمعى: التندية أن يورد الرجل الإبل حتى تشرب فتشرب قليلاً، ثم يرعاها ساعة ثم يردها إلى الماء. وهو فى الإبل والخيل أيضًا. قال الأزهرى: وأنكره القتبى وقال: والصواب: لأبَدِّيَه، أى لأخرجه إلى البدو، وقال: ولا تكون التندية إلا للإبل. قال الأزهرى: أخطأ القتبى، والصواب ما قال الأصمعى. وللتندية معنى آخر وهو تضمير الفرس، وإجراؤه حتى يسيل عرقه. ويقال لذلك العرق إذا سال: النّدى.

وقوله: " أُرَدِّيهِمْ بِالحجارة ": أى أرمهم بها.

وقوله: " جعلت عليه آراماً من الحجارة يعرفها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": فيشبه أن يريد بها الأعلام. قال الأعشى:

<<  <  ج: ص:  >  >>