للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: قُلْتُ: هَلْ تَعْرِفُونِى؟ قَالُوا: لا. وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَنَا سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ، وَالَّذِى كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا أطْلُبُ رَجُلاً مِنْكُمْ إِلا أَدْرَكْتُهُ، وَلا يَطْلُبُنِى رَجُلٌ مِنْكُمْ فَيُدْرِكَنِى. قَالَ أَحَدُهُمْ: أَنَا أَظُنُّ. قَالَ: فَرَجَعُوا، فَمَا بَرِحْتُ مَكَانِى، حَتَّى رَأَيْتُ فَوَارِسَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَلَّلُونَ الشَّجَرَ. قَالَ: فَإِذَا أَوَّلُهُمُ الأَخْرَمُ الأَسَدِىُّ، عَلَى إِثْرِهِ أُبُو قَتَادَةَ الأَنْصَارِىُّ، وَعَلَى إِثْرِهِ الْمِقْدَادُ بْنُ الأَسْوَدِ الْكِنْدِىُّ. قَالَ: فَأَخَذْتُ بِعِنَانِ الأَخْرَمِ. قَالَ: فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ. قُلْتُ: يَا أَخْرَمُ، احْذَرْهُمْ، لا يَقْتَطَعُوكَ حَتَّى يَلْحَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ. قَالَ: يَا سَلَمَةُ، إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَتَعْلَمُ أَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَالنَّارَ حَقٌّ، فَلا تَحُلْ بَيْنِى وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ. قَالَ: فَخَلَّيْتُهُ. فَالْتَقَى هُوَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ. قَالَ: فَعَقَرَ بَعبْدِ الرَّحْمَنِ فَرَسَهُ. وَطَعَنَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَتَلَهُ. وَتَحَوَّلَ عَلَى فَرَسَهِ وَلَحِقَ أَبُو قَتَادَةَ - فَارسُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَطَعَنَهُ فَقَتَلَهُ. فَوَالَّذِى كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَتَبِعْتُهُمْ أَعْدُو عَلَى رِجْلَىَّ، حَتَّى مَا أَرَى وَرَائِى، مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا غُبَارِهِم شَيْئًا، حَتَّى يَعْدِلُوا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى شِعْبٍ فِيهِ مَاءٌ - يُقَالُ لَهُ: ذَا قَرَدٍ - لِيَشْرَبُوا مِنْهُ وَهُمْ عِطَاشٌ. قَالَ: فَنَظَرُوا إِلَىَّ أَعْدُو وَرَاءَهُمْ، فَحَلَّيْتُهُمْ عَنْهُ - يَعْنِى أَجْلَيْتُهُمْ عَنْهُ - فَمَا ذَاقُوا مِنْهُ قَطرَةً. قَالَ: وَيَخْرُجُونَ فَيَشْتَدُّونَ فِى ثَنِيَّة. قَالَ: فَأَعْدُو فَأَلْحَقُ رَجُلاً مِنْهُمْ، فَأَصُكُّهُ بِسَهْمٍ فِى نُغْضِ كَتِفِهِ. قَالَ: قَلْتُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ، وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ. قَالَ: يَا ثَكَلَتْهُ أُمُّهُ، أَكْوَعُهُ بُكْرَةَ. قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، يَا عَدُوَّ نُفْسِهِ، أَكْوَعُكَ بُكْرَةَ. قَالَ: وَأَرْدَوْا فَرَسَيْنِ عَلَى ثَنِيةٍ. قَالَ: فَجِئْتُ بِهِمَا أَسُوقهُمَا إِلَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: وَلَحِقَنِى

ــ

وبيداء تحسِب آرامَهَا ... رجَالُ إياد بأجلادها

يعنى: بأشخاصها. قال: فالآرام الأعلام. والأرأم بالهمز بعد الراء الظب. قال زهير:

بها العين والآرام يمشين خلفة ... وأطلاؤها ينهض من كل مجثم

قال القاضى: قال بعضهم: لعله جعلت عليه آثار من الحجارة، أى علامته.

قوله: " فلحق أبو قتادة بعبد الرحمن فطعنه "، وذكر قتل عبد الرحمن للأخرم. كذا قال مسلم، وذكر ابن إسحاق أن صاحب هذه القصة حبيب بن عيينة بن حصن، ولم تكن العرب تسمى بعبد الرحمن فى الجاهلية.

قال الإمام: وقوله: " لقينا من هذا البرح " يعنى الشدة، وقد تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>