للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ يَمِينِى وَالآخَرُ عَنْ يَسَارِى، فَكِلاهُمَا سَأَلَ العَمَلَ، وَالنَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَاكُ. فَقَالَ: " مَا تَقُولُ يَا أَبَا مُوسَى؟ - أَوْ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ؟ ". قَالَ: فَقُلْتُ: وَالذِى بَعَثَكَ بِالحَقِّ، مَا أَطْلعَانِى عَلى مَا فِى أَنْفُسِهِمَا، وَمَا شَعَرْتُ أَنَهُمَا يَطْلُبَانِ العَمَلَ. قَالَ: وَكَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى سِوَاكهِ تَحْتَ شَفَتَهِ، وَقَدْ قَلصَتْ. فَقَالَ: " لنْ - أَوْ لا - نَسْتَعْمِلُ عَلى عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَهُ، وَلكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ، يَا أَبَا مُوسَى - أَوْ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ " فَبَعَثَهُ عَلى اليَمَنِ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ مُعَاذَ ابْنَ جَبَلٍ، فَلمَّا قَدِمَ عَليْهِ قَالَ: انْزِلْ، وَأَلقَى لهُ وِسَادَةً. وَإِذَا رَجُلٌ عِنْدَهُ مُوثَقٌ. قَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلمَ، ثُمَّ رَاجَعَ دِينَهُ - دِينَ السَّوْءِ - فَتَهَوَّدَ. قَالَ: لا أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ، قَضَاءُ اللهِ وَرَسُولِهِ. فَقَالَ: اجْلِسْ، نَعَمْ. قَالَ: لاَ أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ، قَضَاءُ اللهِ وَرَسُولِهِ. ثَلاثَ مَرَّاتٍ. فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ. ثُمَّ تَذَاكَرَا القِيَامَ مِنَ اللَّيْلِ. فَقَالَ أَحَدُهُمَا - مُعَاذٌ -: أَمَّا أَنَا فَأَنَامُ وَأَقُومُ، وَأَرْجُو فِى نَوْمَتِى مَا أَرْجُو فِى قَوْمَتِى.

ــ

وفيه الحجة أن لأئمة الأمصار إقامة الحدود فى القتل وغير ذلك، وهو مذهب كافة العلماء؛ مالك وأبو حنيفة والشافعى وغيرهم. واختلف أصحاب مالك وغيرهم فى إقامة ولاة المياه وأشباههم لذلك، فرأى أشهب: أن ذلك لهم إذا جعل ذلك لهم الإمام. وقال ابن القاسم نحوه، وقال الكوفيون: لا يقيمه إلا أمراء الأمصار، ولا يقيمه عامل [السواد] (١). وقال الشافعى: إذا كان عدلاً والى الصدقة فله عقوبة من ولى صدقته، وليس ذلك لغير العدل.

واختلف هل ذلك للقضاة إذا كانت ولايتهم مطلقة غير مقيدة على نوع من الأحكام؟ فجمهور العلماء أن للقضاة إقامة الحدود والنظر فى جميع الأشياء؛ من إقامة الحقوق، وتغيير المناكر، [والنظر] (٢) فى المصالح قام بذلك قائم أو اختص بحق الله، وحكمه عندهم حكم الوحى المطلق اليد فى كل شىء، إلا ما يختص بضبطه البيضة، من إعداد الجيوش، وجباية الخراج واختلف أصحاب الشافعى، هل من نظره. مال الصدقات وللتقديم للجُمع والأعياد أم (٣) لا، إذا لم يكن على هذا ولاة من السلطنة مخصوصون؟ على قولين. ولا يختلفون إذا كانت هذه مختصة بولاية من قِبَل السلطنة أنه لا نظر له فيها. وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا نظر له فى إقامة حد، ولا فى مصلحة ولا لطالب مخاصم، ولا تنطلق يده إلا على ما أذن له فيه، وحكمه عنده (٤) حكم الوكيل.


(١) فى س: القضاء.
(٢) ساقطة من الأصل، والمثبت من س.
(٣) فى س: أو.
(٤) فى س: غيده.

<<  <  ج: ص:  >  >>