للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٠٦ - (...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ ابْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُلُّ كَلمٍ يُكْلمُهُ المُسْلِمُ فِى سَبِيلِ اللهِ، ثُمَّ تَكُونُ يَوْمَ القِيَامَةِ كَهَيْئَتِهَا إِذَا طُعِنَتْ تَفَجَّرُ دَمًا، اللوْنُ لوْنُ دَمٍ وَالعَرْفُ عَرْفُ المِسْكِ ". وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَالذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ فِى يَدِهِ، لوْلا أَنْ أَشُّقَّ عَلى المُؤْمِنِينَ مَا قَعَدْتُ خَلفَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِى سَبِيلِ اللهِ،

ــ

عموماً لكل من خرج فى سبيل الله من جهاد الكفار وغيرهم من المارقين اللصوص والبغاة، وفى الأمر بالمعروف.

وقوله: " وجرحه يثعب دماً قال الإمام: ويقال: ثعبت الماء: إذا فجرته فانثعب.

قال القاضى: وهو بمعنى ما فى الرواية الأخرى: " يفجر دماً ".

وقوله: " اللون لون دم، والريح مسك ": يحتج به على أن المراعى فى الماء تغير لونه دون رائحته؛ لأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمى هذا الخارج من جرح الشهيد دماً وإن كان ريحه ريح المسك، ولم يقل: مسكاً بقلب الاسم للونه على رائحته، فكذلك الماء ما لم يتغير لونه لم يلتفت إلى تغيير رائحته، وهذا قولنا فيما تغيرت رائحته بالمجاورة. فأما بما خالطه فعبد الملك يقول: لا يعتبر بها كرائحة، وإنما الاعتبار باللون والطعم. ومالك وجمهور أصحابه يعتبرون الرائحة كاعتبار اللون والطعم، ويحكمون لتغيره بالرائحة بالإضافة والنجاسة، وقد تقدم الكلام على هذا الباب.

ويحتج بهذا الحديث أيضاً أبو حنيفة فى جواز استعمال الماء المضاف المتغير أوصافه لانطلاق اسم الماء عليه، كما انطلق على هذا اسم الدم وإن تغيرت أوصافه إلى الطيب، وحجته بذلك تضعف. وقد احتج به البخارى فى ترجمة ما يقع من النجاسات فى الماء والسمن (١)، فقد يحتمل أن حجته فيه للرخصة فى الرائحة كما تقدم، أو التغليظ به عكس الاستدلال بأن الدم لما ينتقل بطيب رائحته من حكم النجاسة إلى الطهارة، ومن حكم القذارة إلى التطيب بتغير رائحته، وحكم له بحكم المسك والطيب للشهيد، فكذلك الماء ينتقل، أى على العكس بخبث الرائحة أو تغير أحد أوصافه من الطهارة إلى النجاسة - والله أعلم.

وقوله: " والذى نفس محمد بيده ": حجة فى جواز الحلف بمثل هذا، واليد ها هنا ظاهر فى معنى القدرة والملك (٢) واستعمال العرب لها فى هذا الباب مشهور.


(١) البخارى، ك الجهاد، ب ما يقع من النجاسات فى الماء والسمن ١/ ٦٨.
(٢) الصحيح - وهو مذهب السلف - أن نثبت لله اليد، من غير تأويل ولا تكييف.

<<  <  ج: ص:  >  >>