للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَكُلْ إِنْ شِئْتَ، وَإِنْ وَجَدْتَهُ غَرِيقًا فِى المَاءِ، فَلا تَأكُلْ ".

ــ

سهمك فغاب عنك فكله ما لم ينتن " (١)، وقال فى الحديث الآخر فى الذى يدرك صيده بعد ثلاث: " كله ما لم ينتن " (٢)، وفسره فى الرواية الأخرى فى صيد الكلب (٣)، قال الإمام: من شرط استباحة [الصيد] (٤) أن يتبعه الصائد، رجاء أن يدركه فيذكيه، فإن لم يفعل وتأخر عنه من غير عذر، ثم أتاه فوجده ميتاً وبه أثر سهمه أو كلبه، فالمشهور من المذهب أنه لا يأكل؛ لجواز أن يكون لو اتبعه لأدركه وصار أسيراً له، حتى لا يجوز تذكيته بالعقر. وحكى ابن القصار أكله، وكأنه رأى أنه لا يسقط التذكية المحققة بهذا الأمر يجوز وقد قال فى كتاب مسلم: " فإنَّ أَخْذَهُ ذكاته " ولم يشترط - أيضاً - فى هذا الذى مات ولم ينتن أن يكون اتبعه أو لم يتبعه.

وأما إن غاب عنه الصيد، ثم وجده بعد ذلك وفيه أثر سهمه أو كلبه، ففى المذهب ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه يؤكل؛ لهذه الأحاديث.

والثانى: أنه لا يؤكل؛ لقول ابن عباس: " كل ما أصميت ولا تأكل ما أنميت "، ومعنى " ما أصميت ": ما لم يغب عنك، و " ما أنميت ": ما غاب عنك.

والقول الثالث: إجازة ذلك فى السهم ومنعُه فى الكلب؛ لأن السهم يقتل بالرمية الواحدة، والكلب يقتل على جهات مختلفة.

وأما قوله: " ما لم يُنْتِن ": فإن ذلك لأن النفوس تعافه وتستقذره الطبائع، فنهى عنه تنزيهاً، أو لكون ذلك يضر بالأجسام ويسقمها، فنُهى عنه تحريماً، وقد روى عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه أكل إهالة سَنخة (٥). والسَّنِخة: المغيرة، ومحملها على أنها لم تضر ولم تستقذر، فلا يكون ذلك مخالفاً لهذا الحديث.

قال القاضى: قيل: يحتمل قوله: " ما لم ينتن " نتونة تغيره إلى حال لا يجوز أكله معها من تغيره صيد أو نحوه؛ لأنه صيد من الأنجاس والأرجاس والخبائث، أو يكون لما يخاف أن ذلك أصابه من نهش ذوات السموم وإفساد حاله، والخوف على أكله بسببه، وقد جاء مثل هذا عن ابن شهاب قال: كل مما قتل وأكل منه، إلا أن تجده يتعطن، فإذا تعطن فإنه تهميس، وذلك الذى يكره. وفسروا الحديث: " يتعطن ": أنه إذا مددته تمرط،


(١) حديث رقم (٩) بالباب التالى.
(٢) حديث رقم (١٠) بالباب التالى.
(٣) حديث رقم (١١) بالباب التالى.
(٤) من ع.
(٥) البخارى، ك البيوع، ب شراء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالنسيئة (٢٠٦٩)، الترمذى، ك البيوع، ب ما جاء فى الرخصة فى الشراء إلى أجل رقم (١٢١٥) عن أنس بلفظ: " بخبز الشجر وإهالة سنخة " الحديث ٣/ ٥١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>